مؤثمر الاسلامي الجزائري 1936 PDF


مـــقدمة

        ما إن حل القرن العشرين حتى بدأت المفاهيم السياسية و الثقافية في الانتشار و التأثير على الشعب الجزائري الذي تبناها، الأمر الذي سـاعدها على التطور والتبلور بعد مشاركته في الحرب العالمية الأولى و تأثره بالنتائج التي أفرزتها من خلال مبادئ ولسن الأربعة عشر، و التي تطالب بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها من خلال ميثاق عصبة الأمم المتحدة.
تعد مرحلة الثلاثينيات من القرن الماضي و بالتحديد ما بين 1930 و1936 من ابرز المحطات التاريخية في الجزائر، و التي تمكنت فيها الحركة الوطنية أن تحقق لنفسها مكانة في أوساط الجماهير الشعبية و تبرز على الساحة السياسية، من خلال مشاركتها الفعالة في تنشيط الساحة السياسية، مما اثر على سياسة العدو فقام بوضع جملة من القوانين و مشاريع أهمها مشروع بلوم فيوليت الذي جاءت به حكومة الجبهة الشعبية بعد نجاحها في الانتخابات التشريعية.
و بمقارنتها بمرحلة العشرينات فان الجمعيات والنوادي الثقافية عرفت تطورا كبيرا، لكون  عمالة قسنطينة على رأس عمالتي الجزائر و وهران، و هذا من حيث عدد الجمعيات و النوادي التي أنشأت فيها خلال هذه المدة[1].
     رغم تعدد العوامل سواء كانت السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية فقد ساهمت في إثارة الوعي لدى الشعب الجزائري في استرجاعه الوحدة الترابية و الهوية الوطنية. و تنسب بداية نشاط الحركة الوطنية على يد الأمير خالد الذي يعد مؤسسها و التي تمخضت عنها الحركات التي جاءت فيما بعد بمختلف اتجاهاتها و مبادئها و مناهجها و منها:

الحركة العمالية ذات التيار الاستقلالي و التي جاء ميلادها عن طريق نجم شمال إفريقيا الذي حل في 1929 و انتقل نشاطها إلى الجزائر حتى تحول إلى حزب الشعب الجزائري.

إلى جانب ذلك نجد التيار الإدماجي الذي تزعمه فرحات عباس و ابن جلول،  الذي تشكلت في اتحادية المنتخبين المسلمين الجزائريين التي تنصب جل مطالبها في المطـالبة بالمســـاواة في الحقوق و الواجبات بين الجزائريين والمستوطنين القاطنين في نفس البلد، و التي ترى في الإدماج مرحلة تمهيدية لتصل في النهاية إلى الإدماج الكلي للشعب الجزائري.
و من جهة أخرى نجد علمــــاء الجزائر شكـلوا من الجمعية التي حملت أسمهم و المطالبة بالعـودة إلى الأصول الحضـارية للشعب الجزائري التي تقوم على أسـاس ثابت للأمة، و هو الإسلام و اللغة العربية و الوطن.
من السهل إثبات الدور الذي لعبته الجمعية في المجال التربوي الثقافي و الديني الإصلاحي، لكن من الناحية السياسية فإنها لم تجهر بمواقفها المعادية للاستعمار، و لنثبت هذه الحقيقة لا نبتعد كثيرا عن برنامجها الواضح (العربية لغتنا و الإسلام ديننا و الجزائر وطننا)، فالاعتراف بأهمية العلماء تولد عنه ميلاد حدث تاريخي و هو انعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري 1936م.
و استكمالا لمشروع الجمعية بإعادة بعث القومية العربية، كانت لها مشاركات فعالة في تبليغ صوت الأمة و الإعراب عن رغباتها و مطالبها عن طريق زعمائها المتمسكين بشخصياتهم الجزائرية.
إلا أن المهمة الحقيقية ما تزال محل جدال في أوساط المؤرخين و السياسيين و المهتمين بجمعية العلماء، بين من يؤكد نشاطها السياسي و هدفها التوعوي منذ تأسيسها، و بين من ينكر ممارستها للنشاط السياسي باعتبار أن هدفها الإصلاحي هو التوعية، لكن في رأينا أن التوعية و بعث اليقظة هما الشرطان الأساسيان لنضج إي فكر قومي تحرري.
و بذلك نقول انه و تحت ستار العمل الديني البحت، عملت جمعية العلماء إلى جانب نشاطها السابق فقد كانت لها اهتمامات في الحياة السياسية في البلاد من خلال الوعظ و الإرشاد و إصلاح ذات البين الذي يقف بالمرصاد لسياسة العدو و التي كان هدفها تشويه صورة الشعب و بذر الخلاف بين فئاته مع تضليله.
دواعي اختيار الموضوع:
نعلم جيدا و منذ أن أصبح لدينا اطلاع شامل حول مسار الحركة الوطنية ما بين الحربين بمختلف سنواتها و إحداثها و نظرا لعدم التركيز على هذه المرحلة التي لم تـــشير إليها الأبحاث الأكاديمية الخاصة بمرحلة الثلاثينيات و الأربعينيات من القرن الماضي، فان سنة 1936 التي وصفها الباحث محمد قنانش بأنها المنعطف الرئيسي للكفاح السياسي و المد الثوري و للمنعطف التاريخي، كما كان أول نوفمبر 1954 هو النتيــجة الحتمية لهذه المسـيرة، فـأول نوفمبر ولــد سنة 1936 و بلغ سن الرشد بأحداث 8 ماي 1945 و أصبح سيد نفسه في 1954.
هذه السنة التي بدأت فيها الجماهير الشعبية تفرض وجودها على الساحة السياسية و تستعيد كرامتها النضالية و تعبر عن نفسها بالاحتجاج و المظاهرات و الإضراب عن العمل.
و عليه أصبحت دراسة سنة 1936 ضرورية و مهمة للجزائر لان هناك منعطفات تاريخية لا يمكن أن نمر عليها فقط، بل يجب أن نتتبع آثارها و ما يمكن أن ينتج عنها، و هذا ما أدى بنا إلى اختيار موضوع دراستنا المؤتمر الإسلامي الجزائري 1936 و أثره في الحركة الوطنية.
إشكالية البحث:
لتسليط الأضواء على الظروف و الأسباب التي عجلت في انعقاد هذا المؤتمر الإسلامي الجزائري 1936 و آثاره في الحركة الوطنية تدفعنا لطرح الإشكال التالي:
·       ما الأهمية التي يكتسيها المؤتمر الإسلامي في مسار الحركة الوطنية؟ و ما مدى تأثيره عليها؟
و للإجابة على هذا التساؤل تم طرح مجموعة تساؤلات فرعية منها:
·       لماذا انعقد المؤتمر الإسلامي الجزائري سنة 1936؟
·       من هم أبرز الشخصيات الفاعلة التي حضرته؟
·       فيما يكمن برنامجه و أهم قراراته؟
·       ما موقف الحركة الوطنية منه؟
·       ما موقف الإدارة الفرنسية منه؟
·       إلى أي مدى حقق الأهداف التي جاء من اجلها؟
مناهج البحث:
للإجابة على كل هذه التساؤلات و الإلمام بجوانب الموضوع، اعتمدت في دراستي عن المنهج التاريخي الذي يقوم على المنهج الوصفي و التحليلي لإثراء الموضوع و دراسته دراسة علمية تحقيقا للموضوعية العلمية لهذا البحث.
صعوبات البحث:
إذا تحدثنا عن صعوبات أي بحث فإننا لا نخرج من إطار الصعوبات الروتينية مثل تشتت المادة في المكتبات و الأرشيفات، الكتب و المجلات، لكن الذي اعتبره حقا من الصعوبات التي واجهتني في هذا البحث هو قلة المادة العلمية و جل ما تحصلت عليه تناول الموضوع بنوع من السطحية.
وصف عناصر البحث:
للإلمام بجوانب البحث اعتمدنا على جملة من المراجع، تختلف أهميتها حسب صلتها بالمـوضوع و الأفكار التي تطرحها، و المتمثل في صحف الجمعية و أهمها البصائر، كما اعتمدنا على مجموعة من الكتب ذات أهمية نظرا لمعالجتها نقاط كثيرة من البحـث، مثل كتب رابح تركي عن عبد الحميد بن باديس، و جمعية العلماء، و كتب عبد الرحمــان بن إبراهيم بن العقون حول الكفاح القومي و السياسي ج 1، إضافة إلى مؤلفات أبو القاسم سعد الله حول الحركة الوطنية، و مؤلفات محفوظ قداش و محمد قنانش الحركة الاستقلالية في الجزائر، إضافة إلى جملة من المصادر و المراجع التي تخدم الموضوع.
خطة البحث:
بعد أن طرحنا مجموعة من الإشكاليات جاء الآن دور الإجابة عليها وفق منهجية معينة، فبعد المقدمة التي تناولنا فيها التعريف بالموضوع و المنهج العلمي المتبع في الدارسة، و الإشكالية التي بنينا عليها دراستنا مع ذكر أهم الصعوبات، قسمنا بحثنا إلى:

الفصل التمهيدي: واقع الحركة قبيل انعقاد المؤتمر: وتناولت فيه تيارات الحـركة الوطنية، التيار الإدماجي و تمثل في حركة المنتخبين المسلمين الجزائريين و الحزب الشيــوعي، التيــار الاستقلالي و المتمثل في حزب شمال إفريقيا، التيار الإصلاحي و المتمثل في جمعية العلماء المسلمين، كما تناولت السياسية الاستعمارية اتجاه الحركة الوطنية بمختلف قراراتها و و مشاريعها و سياسية الكولون اتجاهها.
الفصل الأول: المؤتمر الإسلامي الجزائري 1936: تطرقت فيه إلى أسباب و دوافع انعقاده، فهناك ظروف داخلية و خارجية أدت إلى انعقاده، انعقاد جملة من المؤتمرات و تأسيس جمعية العلماء و نجاح الجبهة الشعبية في الوصول إلى الحكم، كما تناولت جملة التحضيرات التي سبقته واهم الشخـصيات التي حضرته و أهم قراراته، كما تطرقت إلى برنامج المؤتمر و الذي انبثقت عنه اللجنة التنفيذية.
الفصل الثاني: موقف الحركة الوطنية و الإدارة الفرنسية من المؤتمر: تناولت فيه ردود الأفعال حول مشاركة التيارات السياسية و مواقفها إزاء حكومة الجبهة، كما تطرقت إلى موقف الإدارة الفرنسية من المؤتمر، و رد فعلها حول وفد المؤتمر و مطالبه.
الفصل الثالث: تأثيرات المؤتمر الإسلامي الجزائري على الحركة الوطنية: تطرقت إلى تأثير المؤتمر على نشاط التيار الاستقلالي و الذي بقي متمسك بمطلبه الأساسي و هو الاستقلال التام، ثم  تطرقت إلى تأثيره على نشاط التيار الإدماجي و الذي حاول الوصول إلى  تطبيق سياسية الإدماج، و أخيرا تأثيره على نشاط التيار الإصلاحي الداعي إلى المحافظة على الشخصية العربية الإسلامية الجزائرية.
        و قد ختمنا بحثنا هذا بجملة من الاستنتاجات و اتبعناها بملاحق ذات علاقة بالموضوع، بالإضافة إلى فهارس المصادر و المراجع.


[1] . احمد صاري، شخصيات و قضايا من تاريخ الجزائر المعاصر، المطبعة العربية، الجزائر، 2004، ص: 118

أولا: تيارات الحركة الوطنية:
        مع نهاية القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين، أوقف الشعب الجزائري المقاومة المسلحة العسكرية التي دامت و تواصلت سبعين عاما كاملا من 1830 إلى 1900، و لم تأت بالنتيجة المرجـوة و المطلوبة، رغم ما قدمه هذا الشعب من تضحيات كبرى مادية و بشرية و استشهد منه الملايين من الرجال النساء و الأطفال، و انتزعت منه كل أراضيه، و هدمت قراه و فرضت عليه السلطات الاستعمارية الجهل والفقر و الأمية، فرأى أن يغير أسلوب الكفاح و تبنى النضال السياسي الذي تبــلور بعد عشريتين كـاملتين من المخاض و جاء نتيجة لعــوامل متعددة يمكن تلخيصها فيما يلي([1]):
Ø              إن عدد المثقفين باللغة الفرنسية من أبناء الجزائر قد تزايد بحيث أصبحت هذه النخبة تشكل تيارا سياسيا قويا يطالب بالإدماج و المساواة.
Ø              إن مشاركة الجزائريين في الدفاع عن فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى و المشاركة في تحريرها من النفوذ الألماني قد دفع بالجزائريين أن يشعروا بأن من حقــهم الحصول على المسـاواة في الحقوق و التصويت في الانتخابات.
Ø              إن الهجرة إلى أوربا خلقت وعيا قويا و مشاركة فعالة في النقابات العمالية اليسارية التي كانت تناضل ضد الامبريالية و القوات الاستعمارية أينما كانت.
Ø              إن تزوير الانتخابات البلدية و المجالس العامة و طرد الأمير خالد قد قضت على أي تعاون بين المسلمين و الأوربيين في الجزائر، و دفعت بالجزائريين لتكوين أحزاب للدفاع عن أنفسهم و عن بلادهم، و قد برز هذا النضال بعد الحرب الباردة في إطـار ثلاث تيارات أساسية كبـرى و بارزة:
 1) التيار الداعي إلى الإدماج و التجنيس، 2) التيار الداعي إلى الإصلاح، 3) التيار الداعي بالاستقلال التام.

1)    التيار الاستقلالي:
v             تأسيس نجم شمال إفريقيا:
أنشئ النجم في مارس 1926 في باريس على يد جماعة من أهالي إفريقيا الشمالية و كان أكثرهم من الجزائر منهم: العمال و الجنود السابقين و الطلبة الذين كانوا يعيشون في فرنسا، و كان هدفه الصريح هو الدفاع عن المصانع المعنوية و المــادية لأهل إفريقيا بينما الهدف الحقيقي للنجم هو تحقيق استقلال إفريقيا الشمالية، أسندت رئاسة الحزب الشرفية إلى الأمير خالد و أعضاؤه الجزائريين في الإدارة هم: محمد جفال، حاج علي عبد القادر، مصالي الحاج، احمد بلعول، محمد بن الأكحل و عمار ايماش ([2])
أنشئ أول اجتمــاع للحزب في 15 مـاي 1926 في مقر الكونفيدرالية العـامة للعمال ببريطانيا، ثم انعقد ثاني اجتماع له في 20 جوان 1926 و اقتصرت الاجتماعات على حضور العناصر البـارزة و في 2 جويلية 1926 انعقد الاجتماع العــام و وزعت خلاله المسؤوليات على رواد الحركة  و فيه انتخبت اللجنة المركزية مكونة من 10 أعضاء([3].
انعقد مؤتمر بروكسل ضد الاستعمار(1) ما بين 10 و 15 فيفري 1927، حضره ممثلان باسم النجم، مصالي الحاج الكاتب العام للحرب و الشاذلي خير الدين عضو الحزب الدستوري الذي قدم مطالب تونس كما قدم مصالي مطالب الجزائر و المغرب، فقد كان له اثر كبير في التعريف بالقضية الوطنية الجزائرية و طرحها على المسرح الدولي([4]).

لقد شكل هذا المؤتمر منعرجا حاسما و مرحلة جديدة في تــاريخ النجم من حيث طريقة الكفـاح و النضال و طبيعة المطالب الوطنية و على رأسهم الاستقلال الوطني([5])
إن البرنامج السياسي لنجم الشمال الإفريقي قد درس بإمعان و بتحليل عميق بواسطة اللجنة التنفيذية المؤقتة، و قد عرض على المجلس الوطني الممثل لجميع الأعضاء المنخرطين في الجلسة العـامة المنعقدة يوم 28 ماي 1933 و قد نوقش و صودق عليه بالإجمـاع، فمضمون موارده بسيطة و تفهمه لا يحتاج إلى جهد، فهو يعبر تعبيرا صادقا عن مطامح الشعب الجزائري، وتتمثل مطالب هذا البرنامج في النقاط الآتية:
v     الإلغاء الفوري لقانون الأنديجينا الشنيع، و لجميع الإجراءات الاستثنائية([6]).
v     حرية الصحافة و الجمعيات والاجتماعات، و الحقوق السياسية و الثقافية.
v     التعليم باللغة العربية إجباري.
v     الاستقلال التام للجزائر.
v     الجلاء التام لجيوش الاحتلال.
v     حق الانتخاب و الترشح في جميع المجالس ومن بينهم البرلمان الفرنسي.
v     إنشاء جيش و طني.
v     إرجاع الأراضي والغابات التي استولت عليها الحكومة الفرنسية إلى الحكومة الجزائرية.
v     إنشاء المجالس البلدية و العمالية بالاقتراع العام.
v     إدراك المسلمين الجزائريين لجميع الرتب المدنية والعسكرية من دون تمييز ما عدا الكفاءة والمهارة الشخصية([7]).
v     إلغاء البلديات الممتزجة و المناطق العسكرية و تعويضه بمجالس بلدية منتخبة عن طريق الاقتراع العام
v     التعليم مجاني و إلزامي باللغة العربية في جميع المستويات.
v     تمديد القرض الفلاحي لصغار الفلاحين.
v     وجوب نشر العقود باللغتين الفرنسية و العربية.
v     إنشاء مدارس عربية جديدة.
v     الحق في منحة البطالة و المنح  العائلية للعائلات القاطنة بالجزائر.
v     تنمية وسائل المواصلات([8])
v     حرية التنقل المطلقة بفرنسا و البلاد الأجنبية الأخرى.
v     تنظيم الري تنظيما عادلا.
v     تطبيق القوانين الاجتماعية والعمالية.
v     نفس القوانين ونفس الحقوق كالفرنسيين في ما يخص التجنيد.
و يعود ميلاد النجم على ارض الدولة الاستعمارية الفرنسية إلى عدة أسباب([9]):
§        إبعاده عن الضغط و مكائد المستوطنين الفرنسيين في الجزائر.
§        تبني منهجية المرحلية في التنظيم و التسيير و السرية في النشاط.
§        إتباع طريقة المراوغة مع الإدارة الاستعمارية مما جعل مؤسسي الحزب يعلنون أنه حركة نقابية تتبنى مطالب العمال و انشغالاتهم و حقوقهم.
§        كما اعتمد النجم بشكل خاص على الصحافة في الاتصال بالجزائريين سواء في الوطن أو في فرنسا و المعبرة عن أهدافها، و هناك صحيفتين خدمتا النجم هما: الإقدام  و الأمة.


2)     التيار الإدماجي:
الحزب الشيوعي الجزائري:
ظهر الحزب الشيوعي الجزائري في بداية الأمر كفرع للحزب الشيوعي الفرنسي في الجزائر وبعد ظهور التيارات السياسية مع بداية الثلاثينيات كان لابد من هيكلة هذا الحزب و إعطائه الصيغة الجزائرية([10])، و قد تأسس الحزب رسميا سنة 1936 ([11]) بعد عقد مؤتمر التأسيس الأول في الجزائر العاصمة في شهر جويلية 1936.
و كان الحزب مشكلا في أغلبيته من فرنسيين و برز من بين الشيوعيين الجزائريين في فرنسا الحاج علي عبد القادر و محمد بن الأكحل وكان أمينه العام عمار اوزقان، كما انه رفض تحرير الجزائر و نادى  بالعمل من اجل الشيوعية في إطار المستعمرة الفرنسية([12]).
و تتمثل مطالبه في فيما يلي([13]):
§        المطالبة بالمساواة في الحقوق بين الجزائريين و الفرنسيين.
§        المطالبة بجنسية مزدوجة ( جزائرية – فرنسية).
§        تكوين برلمان جزائري بمفهوم الحزب الشيوعي له الحق التشريع و يتشكل بالتساوي من 60 نائبا جزائريا و 60 نائبا فرنسيا.
§        المطالبة بحكومة يرأسها شخص منتخب من قبل البرلمان المحلي، و أن يكون لفرنسا ممثل في الجزائر.
§        أن تكون اللغتين العربية و الفرنسية رسميتان في الجزائر.
و الحقيقة أن هذا الحزب لم يعرف تغييرا في توجهاته و مطـالبه التي بقيت تصب في نفس الاتجاه، و هي الارتباط الدائم مع فرنسا و المحافظة على مصالحها، فارتباطه الوثيق مع الحزب الشيوعي الفرنسي و تركيبته البشرية الأوربية في اغلبها، جعلته لا يليق أبدا مع الحركات الوطنية الجزائرية([14]).
 حركة اتحاد المنتخبين المسلمين الجزائريين ( حركة النواب ):
تأسست اتحادية المنتخبين المسلمين الجزائريين في شهر جوان سنة 1927، و عقد أول مؤتمر لها في شهر سبتمبر من العام نفسه([15])، وكــان من زعمـــائها الدكتور محمود بن جلول(1) رئيس لـها و الدكتور الأخضري و الدكـتور ربيع الزناتي و غيرهم، و جلهم كــانوا متشبعين بالثقافة الفـرنسية و إيمانهم بضرورة التعاون مع فرنسا على أن تضع حدا للنظام الاستعماري في الجزائر،
و قد الفت جماعة اللجنة اتحادا في عام 1930 أطلق عليه اتحاد المنتخبين الجزائريين بزعامة الدكتور جلول، و قد كان لهذا الاتحاد فروعا في جميع أنحاء الجزائر([16]).




و تكمن أهداف هذه الحركة فيما يلي([17]):
§        احترام الحضارة الإسلامية و اللغة العربية.
§        القضاء تماما على نظرية التفوق العنصري.
§        إن سياسية المساواة في الحقوق هي الوحيدة القادرة على ضمان مستقبل مشترك.
§        يجب أن يصبح الشباب الجزائري هو النواة التي تنقل المجتمع الإسلامي القديم إلى مجتمع متحضر
§        يأمل الشعب الجزائري في الأخذ بالتقدم و الحضارة العربية.
و قد استخدم فرحات عباس أسلوب الإقناع في محاولة ضم الجزائريين إلى حزبه و التعاون مع فرنسا فقال '' إن الإسلام حينما أراد إخضاع الناس لم يستعمل القوة، بل استخدم اللغة في التعليم و طبق المساواة الاجتماعية بصدق و بدون تمييز'' ([18])،
 و قد شكلت كتاباته (فرحات عباس) و مساهماته الصحفية من خلال جريدتي التقدم و الوفاق لسان حال اتحادية المنتخبين بقسنطينة الأفكار والمبادئ التي شكـلت الإطار العـام لمطالب الحركة والمتمثلة في([19]):
§        المطالبة بتمثيل الجزائريين في البرلمان الفرنسي.
§        إلغاء القوانين الاستثنائية.
§        إلغاء القرارات المجحفة.
§        المساواة بين الجزائريين و الفرنسيين.
فغرض الاتحادية هو دمج النخبة الجزائرية في الإطـار الفرنسي للحصول على حقــوق الجزائريين، و يستمر فرحات عباس على منهجه معبرا على توجه تياره حيث صرح في مقال له بجريدة الوفاق يوم 23/02/1936، وتحت عنوان '' فرنسا هي أنا '' جاء فيه '' إن الوطنية عاطفة تدفع شعب من الشعوب إلى العيش معا داخل حدود معينة، و هي التي أدت إلى قيام سلسلة الأمم الحاضرة، ولو أني اكتشفت وجود امة جـزائرية لكنت وطنيا، إن الوطنيين يكرمون لأنهم يموتون من اجل فكرة وطنية، و لكني غير مستعد أن أموت من اجل وطن جزائري، لان هذا الوطن لا وجود له و لم استطيع أن اكتشفه و قد سالت الأحياء و الأموات و زرت المقابر و لم يحدثني احد عن هذا الوطن و ليس في وسع إنسان أن يقيم بناءا على الرياح ...''([20]).
و هكذا وجدت حركة الاتحاديين نفسها مرفوضة أمام أفراد الشعب الجزائري، لاعتبارها اتجاها يتنافى مع مقومات الشخصية الوطنية الجزائرية و طبيعة المجتمع الجزائري.
3)    التيار الإصلاحي:
تأسيس جمعية العلماء المسلمين:
في يوم 5 ماي 1931 اجتمع بنـادي التـرقي بعاصمة الجزائر 72 من علماء القطر الجزائري وطلبة العلم فيه، استجابة لدعوة خاصة من لجنة تأسيسية متآلفة من جمـاعة من فضلاء العاصمة عميدها السيد عمر إسماعيل، و غرض الدعوة هو تحقيق فكرة طـالما فكر فيها علماء القطر فرادى، و هي تأسيس جمعية العلماء المسلمين، و قد لبى الدعوة كتابة القبول و الاعتذار نحو الخمسين عالما، كان اجتماعهم بصفة جمعية عمومية لوضع القانون الأساسي للجمعية([21]).
و في 6 ماي 1931 عقدت الهيئة الإدارية أول جلسة بنادي الترقي برئاسة الأستاذ محمد بشير الإبراهيمي، حضرها جميع الأعضاء ما عدا الأستاذين ابن باديس و الطرابلسي، فأعادت النظر في القانون الأساسي فأقرته بالإجماع، وقررت ترجمته باللغة الفرنسية وتقديمه للحكومة طالبة منها التصديق عليه([22]).
·       ظروف و أسباب تأسيسها:
و حسب ما جاء به أبو القاسم سعد الله في كتابه '' أبحاث و أراء في تاريخ الجزائر'' أن عوامل ظهور جمعية العلماء المسلمين ما تزال غير مدروسة، وان معظم الباحثين يستندون إلى المقولة التي تذهب إلى أن الجمعية ظهرت كرد فعل على الاحتفالات المؤقتة للاحتلال التي اتخذت صورة استفزازية بالنسبة لمشاعر الجزائريين، و يبدو انه كان في إمكان جماعة الإصلاح أن يطلبوا تأسيس جمعية لهم قبل 1931 بدليل أن التفكير في ذلك بدا في الحجاز سنة 1913، ثم أوائل العشرينيات في الجزائر، فحركة ابن باديس كانت في حاجة إلى عقد العشرينيات لتنتشر و تتجذر و يعرفها الناس إضافتا إلى أن نادي الترقي بالعاصمة لم يتكون بعد إلا سنة 1927، و قرار حل النجم ،1929 كذلك نفى الأمير خالد 1923، كل ذلك جعل الجماعة تحس بالفراغ السياسي و ببطش الإدارة الاستعمـارية و ليكن تنظيم جيد يملا ذلك الفراغ يحتاج إلى تبصر و حنكة و قراءة متأنية للعواقب([23]).
·       أهدافها:
في 5 ماي 1931 تأسست جمعية العلماء المسلمين في نادي الترقي بالعاصمة الجزائر، واتفق على أن يتولى عبد الحميد بن باديس رئيس لها وهو غائب عن أول اجتماع للجمعية([24]).
تتلخص مبادئ جمعية العلماء بصفة إجمالية في الشعار التالي الذي ينسب إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس و هو '' الإسلام ديننا و العربية لغتنا و الجزائر وطننا ''، و يمكن تلخيص مبـادئها و أهدافها بصفة مفصلة بعض الشيء في مقال كتبه الشيخ البشير الإبراهيمي في جريدة '' البصائر '' لسان حال جمعية العلماء تحت عنوان '' جمعية العلمـاء موقفها مع السياسية و الساسة '' الذي قال فيه([25]): '' إن جمعية العلماء تعمل للإسلام بإصلاح عقائده، و تفهم حقائقه و إحياء آدابه و تاريخه، و تطالبك (الاستعمار) بتسليم مساجده و أوقافه إلى أهلها '':
§                تطالب باستقلال القضاء.
§                حرية التعليم العربي.
§                تدافع عن الذاتية الجزائرية التي هي عبارة عن العروبة والإسلام مجتمعين في وطن واحد.
§                إحياء اللغة العربية.
§                توحيد كلمة المسلمين في الدين والدنيا.
هذه باختصار هي أهدافها و مبادئها، تنقية الإسلام مما علق به من شوائب و المحافظة على الثوابت و إحيائها كاللغة العربية، استرجاع استقلال الجزائر و تكوين دولة عربية إسلامية.
·       نشاطها:
تحت شعار العمل الديني البحت، كانت جمعية العلماء تخوض في الأمور السياسية و توجه الشعب توجيها عربيا إسلاميا وطنيا يتناقض كل المناقضة مع سياسية الاحتلال و توجيهه، بدون أن تستطيع الإدارة الاستعمارية أن تتعرض لها([26]).
ركزت الجمعية نشاطاتها بشكل أسـاسي على إنعــاش مؤسسات التربية مثل الكتاتيب القرآنية و المساجد، و إنشاء مدارس إسلامية مستقلة عن الإدارة الفرنسية في شكلها و مضمونها، كما أن نشاط جمعية العلماء في العمل على المحافظة على الشخصية القومية للشعب الجزائري لم يقتصر على الجزائر و حدها بل امتد إلى فرنسا حيث بعثت الوفود، وأسست النوادي و المدارس لتعليم أبناء الجالية الجزائرية هناك و ذلك ابتداء من عام تأسيسها([27]).
كما أنشأت الجمعية مدارس التربية و التعليم في جميع أنحاء الجزائر، و نذكر انه في الفترة التي بدأت فيها الجمعية عملها، لم يكن في الجزائر سوى ثلاث مدارس فرنسية إسلامية و مدرستين فقط تشرف عليهم الجمعيات الثقافية وهما '' مدرسة الراشدية '' و '' المدرسة التوفيقية ''، كذلك أنشأت جمعية التربية و التعليم الإسلامية التي أسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس في فيفري1931([28]).
و قد اعتمدت جمعية العلماء في نشـاطها المتعدد الأوجه على الصحافة حيث أنشأت العديد منها و هي: '' المنتــقد 1925، الشهـاب 1925، الشـريعة 1933، السـنة 1933، الصـراط 1933 '' و أهمها '' البصائر 1935 ''([29]).





ثانيا: السياسية الاستعمارية اتجاه الحركة الوطنية الجزائرية.
·       سياسية الكولون:
منذ حرب الاستقلال الجزائرية اتجه الكتاب سواء كانوا جزائريين أو فرنسيين، نحو وضع اللوم على كاهل الكولون من اجل العواقب السيئة الحظ للسياسية الفرنسية في الجزائر، و نظـرا لذلك و لكون الكولون كانوا تقريبا هم المسيطرين الحقيقيين على الشؤون الجزائرية، ففي ماذا تمثلت سياسيتهم اتجاه الحركة الوطنية.
من بين القضايا التي يمكن من خلالها فهم سياسية الكولون اتجاه الحركة الوطنية هي ظهور الحركة الوطنية بزعامة الأمير خالد * حيث قدم الأمير خالد برنامجه الإصلاحي على رئيس الوزراء الفرنسي سنة 1924، اخذ الكولون يدعون أن الأمير خالد كان عميلا للشيوعيين، فقد اتهموه بأنه قد ابرم '' اتفاقا '' مع الحزب الشيوعي الفرنسي و سخروا من خططه([30]).
و لم يكتفي الكولون برفض برنامجه الإصلاحي و بالسخرية من شخصيته، بل حاولوا أن يقاوموا حركته باقتراح برنامج أخر كانوا يهدفون منه إلى تأكيد سيادتهم في الجزائر، وقد قدم هذا البرنامج الجديد مورينو، نائب قسنطينة و احد زعماء الكولون البـارزين، فكان يضم: رفض سياسية الإدماج في الجزائر، زيادة عدد الكولون، تدعيم الجيش الفرنسي، تنظيم فعال للأعين لسلامة الأشخاص و الأملاك([31]).
فنشاط الأمير خالد السياسي كان قصير المدى، و برنامجه الذي وضعه فرغم بساطته و اعتداله أثار ضجة صاخبة في أوساط المعمرين الذين قاموا و قعدوا له حتى أرغمت رابطة شيوخ البلديات البرلمانيين المعمرين الأمير خالد على النفي([32]).
و خلال سنة 1928 طالب الكولون بوضع حد للصحيفة الوطنية '' الإقدام '' التي تدافع عن برنامج الحزب الإصلاحي الذي كـــان يديره الأمير خالد، فاتهم الكـولون هذه الصحيفة بكونها خطرا وشيوعية، و طالبوا الحكومة الفرنسية بعدم التسامح معها، لأنها تسمم الرأي العام لرعاياها و محميينا أهالي أفريقيا الشمالية و توجيههم ضد الوطن([33]).
·       سياسية الإدارة الفرنسية اتجاه الحركة الوطنية:
بدأت الإدارة الفرنسية في محاولة التخلص من الأمير خالد، و بدأت تكتل له الاتهامات فأكدت كما سبق القول بأنه له في ثورة الأمير عبد الكريم في المغرب، و كان الأمير خالد قد دعا إلى الإسكندرية أثناء هذه الثورة فوجهت إليه السلطات الفرنسية في عام 1925 اتهاما أخر بأنه يعمل ضد فرنسا و ألقى البوليس الانجليزي القبض عليه في الإسكنـدرية بطلب من فرنسا، و اعتبر الأمير خالد هذا العمل تحديا و إهانة له و حاول بدوره تحدي الفرنسيين، فوجهوا إليه اتهاما جديدا، بحمل جواز سفر مزور و محاولة الهرب من منفاه إلى أوروبا، و كان الأمير خالد قد حصل على جواز سفر من السلطات المصرية، و أذن له القنصل الايطالي بدخول ايطـاليا، و قد اعترف الأمير خـالد أثناء محاكمته أمام المحكمة القنصلية بذلك و لكنه قال انه كان نتيجة لحالته و حالة أسرته السيئة، و قال إن مرتب التقـاعد الذي كان يتلقاه من فرنسا منذ نفيه سنة 1923 قد توقف، و إن عائلته في حـالة متردية ([34])، و لكن المحـكمة أصدرت حكمها بسجنه خمسة شهور و لم تسمح له بدخول الجزائـر، و قضى بقية حيـاته في المنفى حيث توفي في دمشق عام 1936 ([35]).


كانت الحكومة الفرنسية تستعمل عدة أساليب في سياسيتها فتارة استعملت أسلوب الترغيب و تارة أسلوب الترهيب، فمن جهة لوحت بعدة مشاريع إصلاحية  كمشروع فيوليت و وعدت بشتى الوعود، من جهة أخرى أصدرت منشور ميشال و قرار رينيه و دبر ممثلوها اغتيال المفتي كحول و زجوا بزعماء الحركة الوطنية في غياهب السجون، ففيما تمثلت السياسية المتبعة من الإدارة الفرنسية ضد الحركة الوطنية([36]).
توترت العلاقة بين جمعية العلماء و الإدارة الفرنسية في 1933 لا سيما بعد صدور منشور ميشال المؤرخ في 16 فيفري 1933 و الذي طلب فيه الأمين العام لولاية الجزائر منع أنصار جمعية العلماء للمضايقات من قبل الفرنسيين([37])، حيث أنها أوقفت صحفهم مثل السنة و الشريعة و الصراط، و أغلقت لهم مدارسهم في عدد من المدن و عرضت أساتذتهم للتغريم و حتى للسجن، و اعتبرت الصحافة العربية في الجزائر صحافة أجنبية ( إي لا تتمتع بقانون حرية الصحافة المعمول به في فرنسا)، بالإضافة إلى أن الإدارة قد أطلقت على الجمعية ألسنة أتباعها في المجالس المحلية، و الجمعيات الطرقية و الصحافة المضادة لهم و حتى ألسنة خريجي المدارس الفرنسية و دعاة التجنس بالجنسية الفرنسية ([38]).
أخذت الإدارة الفرنسية في محاربة الجمعية و عرقلة نشاطها حيث أنها أصدرت قرارا يقضي بمراقبتها و متابعة العلماء الذين حملوا لواء هذه الحركة الإصلاحية على أساس هذه المنظمة تشكل خطر كبير على الوجود الفرنسي في الجزائر، و أصدرت مراسيم عدة و بهذه الإجراءات التعسفية الظالمة منعت العلماء المصلحين من إلقاء الخطب و المحاضرات في المساجد الرسمية([39]).


[1].  أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية، ج 2، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط2، 1992، ص: 372.
[2] . أبو القاسم سعد الله، ج 2، المصدر السابق، ص: 372
[3] . عبد الحميد زوزو، دور المهاجرين الجزائريين في فرنسا في الحركة الوطنية الجزائرية ما بين الحربين، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، الرغاية، ( ب ط )، ( ب س )، ص: 57
[4] . مؤمن العمري، الحركة الثورية في الجزائر ( من نجم شمال إفريقيا إلى جبهة التحرير)، دار الطليعة، قسنطينة، 2003، ص: 36
(1) اعتبر هذا المؤتمر اكبر حدث سياسي من نوعه على الصعيد الدولي اذ اجتمع الضعفاء للتنديد بالأقوياء ، وقد مثل هذا المؤتمر ثمانية ملايين من العمال المنخرطين في النقابات المختلفة.
[5] . المرجع نفسه، ص: 36
[6] . محمد قنانش، محفوظ قداش، نجم الشمال الإفريقي 1926-1937، ديوان المطبعات الجامعية، الجزائر، ص:56
[7] . محمد قنانش، الحركة الاستقلالية في الجزائر 1919-1939، المؤسسة الوطنية للنشر و التوزيع، ص:36
[8] . محمد قنانش، محفوظ قداش، المصدر السابق، ص:57
[9] . مؤمن العمري، المرجع السابق، ص: 37
[10] . المرجع نفسه، ص: 46.
[11] . الصادق بوحوش، الفكر السياسي لثورة التحرير الجزائرية مقاربة في دراسة الخلفية، غرناطة للنشر و التوزيع، الجزائر، 2009، ص: 161
[12] . مؤمن العمري، المرجع السابق، ص: 46
[13] . مرجع نفسه، ص: 47
[14] . مولود قاسم نايت بلقاسم، ردود الفعل الوطنية داخليا و خارجيا على ثورة نوفمبر و بعض مآثر أول نوفمبر، ط 1، دار البعث قسنطينة، 1984، ص: 33
[15] . عبد الكريم بوصفصاف، جمعية العلماء المسلمين و دورها في تطور الحركة الوطنية 1931-1945، ط 1، دار البعث، قسنطينة، الجزائر، 1981، ص:257
[16] . ناهد إبراهيم الدسوقي، دراسات في تاريخ الجزائر الحديث و المعاصر ( الحركة الوطنية في فترة مابين الحربين 1918-1939 )، منشات المعارف الإسكندرية، 2001، ص: 195
[17] . مرجع نفسه، ص ص: 196-197
(1)  الدكتور ابن جلول أو الحكيم كما كان يسمونه آنذاك فقد اكتسب سمعة شعبية كبيرة و خاصتنا في الشرق الجزائري إلا أن اصطدامه بعد المؤتمر الإسلامي بجمعية العلماء من جهة ومن بحزب الشعب من جهة أخرى، قد جعل سمعته تتقلص تدريجيا حتى كاد يغيب عن الساحة السياسية قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
[18] . المرجع نفسه، ص: 200
[19] . مؤمن العمري، المرجع السابق، ص: 24
[20] . علي تابليت، فرحات عباس رجل الدولة، منشورات شالة، الجزائر، 2009، ط 2، ص ص: 36-37
[21] . احمد طالب الإبراهيمي، أثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، دار الغرب الإسلامي، ج 1 ( 1929-1940 )، بيروت ، لبنان، 1997، ط 1، ص: 71
[22] . نبيل احمد بلاسي، الاتجاه العربي و الإسلامي و دوره في تحرير الجزائر، الهيئة المصرية القاهرة، 1990، ص: 59
[23]. ابو القاسم سعد الله، أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر، ج 4، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1996، ط 1، ص:143
[24] . شوقي أبو خليل، الإسلام حركة التحرر العربية، دار الرشيد، مصر، 1976، ط 1، ص: 82
[25] . رابح تركي، الشيخ عبد الحمد ابن باديس رائد الإصـــــلاح والترقية في الجزائر، الشـركة الوطنية للنشر و التوزيع، الجزائر، ط 3، 1981، ص ص: 68-69
[26] . عبد الكريم بوصفصاف، المصدر السابق، ص:30
[27] . محمد طهاري، الحركة الإصلاحية في الفكر الإسلامي، دار الأمة، الجزائر، 2010، ص ص: 14-15
[28] . المرجع نفسه، ص: 15
[29] . عبد الكريم بوصفصاف، المصدر السابق، ص: 30
[30] . شارل روبار اجيرون، تاريخ الجزائر المعاصر، ترجمة عيسى عسفور عويدات، ديوان المطبوعات الجامعية، بيروت لبنان، 1982، ص: 147
[31] . ابو القاسم سعد الله، ج 2، المصدر السابق، ص: 341
[32] . فرحات عباس، ليل الاستعمار، ترجمة ابو بكر رحال، الوكالة الوطنية للنشر و الاشهار، 2005، ص: 125
[33] . ابو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية 1930-1945، ج 3، ط 3، دار الغرب، بيروت، لبنان، ص: 342
[34] . ناهد ابراهيم الدسوقي، المرجع السابق، ص: 122
[35] . ابو القاسم سعد الله، ج 2، المصدر السابق، ص: 420
[36] . ابو القاسم سعد الله، ج 3، المصدر السابق، ص: 17
[37] . عبد الوهاب بن خليف، الوجيز في تاريخ الجزائر، ط 2، دار بني مزغنا، الجزائر، 2006، ص: 92
[38] . ابو القاسم سعد الله، ج 3، المصدر السابق، ص: 23
[39] . عبد الكريم بوصفصاف، المصدر السابق، ص: 208
إن وفاة الأمير خالد حركت الروح الوطنية لدى الفئات الشعبية، فتعالت الأصوات منادية بضرورة توحيد الشعب الجزائري، و كان ابن باديس يعتقد أن مسالة تجديد القانون السياسي للجزائريين لا يجب أن يناقش من قبل طرف واحد، فهي مسالة تهم جميع الجزائريين، و من ذلك تكونت لديه فكرة عقد مؤتمر للنظر في مشروع بلوم فيوليت الذي جاءت به الجبهة الشعبية، فقد كان المؤتمر الإسلامي الجزائري أول محاولة لتكوين جبهة سياسية تضم ابرز التيارات السياسية الموجودة فتعددت الآراء حول هذا المؤتمر.

أولا: أسباب و دوافع انعقاده:
يعتبر المؤتمر الإسلامي الجزائري اكبر تجمع في الجزائر منذ الاحتلال الفرنسي لها، من حيث عدد الحاضرين و المشاركين رغم تباين أفكارهم و اتجاهاتهم السياسية، و قد تعددت الآراء في تحديد من دعا إلى عقد هذا المؤتمر، فهنـــاك من يردها إلى الحزب الشيوعي و البعض الأخر إلى جماعة النخبة و آخرون يعيدونها إلى جمعية العلماء المسلمين.
حسب ما جاء في صحيفة البصائر في عددها 23 يوم 12 جوان 1936، إن فكرة انعقاد المؤتمر انطلقت من قسنطينة، أذاعها الاثنان عبد الحميد ابن باديس رئيس جمعية العلمـــاء المسلمين الجزائريين و الدكتور ابن جلول رئيس جمعية النواب بعمالة قسنطينة إلى عقد مؤتمر إسلامي جزائري عام تعرض فيه مطـالب الأمة و حقـوقها و تتبادل فيه الآراء بين علمــاء الأمة و نوابها و ذوي الرأي منها([1])
بينما يعزي الدكتور عبد الكريم بوصفصاف في محادثة شخصية أن فكرة عقد المؤتمر تعود إلى الشيخ عبد الحميد بن باديس، و إن كانت بعض الشخصيات من النخبة قد دعت إلى تأسيس حزب سياسي كبير للجزائر منذ 1934 ([2]).
إضافة إلى ما يؤكده الدكتور بشير ملاح أن فكرة انعقاد المؤتمر الإسلامي تعود إلى الإمام عبد الحميد بن باديس الذي اقترحها على صفحات جريدة '' لاديفانس '' يوم 3 يناير 1936 لبحث واقع الجزائر المأساوي([3]).
في حين ممثل الحزب الشيوعي عمار أوزقــان، يرى في شخصية عبد الحميد بن بـاديس المحرك الأساسي لعقد المؤتمر الإسلامي، و ذلك من حلال تصريحاته إذ يقول '' كان مصلحنا الديني ثوريا خالصا و حكيما، كان أب المؤتمر الإسلامي الجزائري''([4]).
أما أبو القاسم معد الله فقد ارجع زعـامة المؤتمر الإسلامي إلى العلماء و النواب، و يرى أن الشعب قد استجـاب إلى دعوة الرجلين ابن باديس و ابن جـلول، لأنهمـا يمثلان هيئتين يثق فيهما ثقة واسعة([5]).
أما فرحات عباس فيقول إن رابطة المنتخبين المسلمين أسست كتلة بسطت نفوذها على كافة القطر الجزائري، و سمتها المؤتمر الإسلامي([6]).
من خلال ما سبق يتضح لنا الخــلاف حول من دعا إلى انعقــاد المؤتمر الإسـلامي الجـزائري، إلا أن الشيء المؤكد هو أن الفكـرة انطــلقت من قسنطينة، فالبعـض ينسبها إلى عبـد الحميد بن باديس و البعض ينسبها إلى الدكتور محمد الصالح بن جلول، والبعض يرى بان الحزب الشيوعي وحركة النواب كانا وراء عقد المؤتمر.
لقد لعبت الظروف الداخلية و الخارجية دورا كبيرا أدى إلى التفكير في ضرورة عقد مؤتمر إسلامي جزائري، فعن الظروف الخارجية يرجعها عبد الكريم بوصفصاف إلى:
v انعقاد جملة من المؤتمرات الإسلامية برزت إلى الوجود خلال العشرينات و الثلاثينيات أهمها:
1)  مؤتمر الخلافة الإسلامية بالقاهرة.
2)  المؤتمر الإسلامي بالقدس: الذي انعقد في ديسمبر 1931، وقد مثل الجزائر في هذا المؤتمر المهاجر الجزائري إبراهيم اطفيش نزيل القاهرة في ذلك الحين، فقد عمل هذا المؤتمر على إحياء الوازع الإسلامي في نفوس المسلمين و ذلك لما دعا إليه من روح الوحدة الإسلامية([7]).
3)  مؤتمر مسلمي أوربا بجنيف: انعقد في شهر سبتمبر 1935، تحت رئاسة الأمير شكيب ارسلان(1) و قـد حضـره عن النجم رئيسه مصـالي الحاج الذي كان مقـيما في جنـيف، و حضره أيضا الكاتب العام عمار عيماش و بانون اكلي من بـاريس، ومحمد يديك والجزيزي من فرع مدينة ليون، و قد دام المؤتمر من 12 إلى 17 سبتمبر، وتكلم أثناءه مصالي الحاج و عيماش عن حالة المسلمين في فرنسا وفي شمال إفريقيا وندد بالاستعمار الفرنسي وسياسيته([8]).
v أما عن الظروف الداخلية فنجملها فيما يلي:
1)   ميلاد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من خلال الاجتماع التأسيسي الأول في شهر ماي 1931
2)   نجاح المنتخبين الجزائريين سنة 1934 في الانتخابات البلدية و أثرها في تبلور المطالب الجزائرية
3)   ميلاد الحزب الشيوعي سنة 1936 و تهديد المصالح الفرنسية في الجزائر([9]).
4)  ظهور جملة من المشاريع الإصلاحية الفرنسية و على رأسها مشروع '' بلوم فيوليت''(2)، و يعتبر هذا المشروع من اكبر الدوافع التي أدت إلى عقد المؤتمر.

أما بالنسبة لمحمد الطيب العلوي و الذي يقول على لسان ما كتبه البشير الإبراهيمي، أحد الذين عاصرو الفكرة من نشأتها إلى نهايتها بمقالته التي حررها بالمناسبة لمجلة الشهاب ما يلي: '' و كانت حكومة فرنسا كلما تعلى صوت المطالبة تعمدت إلى المسكنات و المخدرات، فأرسلت مرة لجنة من مجلس الشيوخ يرأسها م فيوليت الوالي العام الأسبق للجزائر لتدرس الحالة، و تشير بالعلاج، و أرسلت أخيرا وزير الداخلية لذلك العهد م. رونيه، و لم تكن لذلك المسكنات من نتيجة و لا تأثير، و الحالة بالجزائر لا تزداد إلا ارتباكا، و حالة المسلم الجزائري تنتقل من سيء إلى أسواء، و الحكومة الجزائرية مصممة عن سماع صوت المطالبة، ممعنة بفور أحزاب الجبهة الشعبية، فارتفع صوت الأمة الجزائرية بالمطالبة من جديد، و حدثت فكرة المؤتمر([10]).
و من هنا استشف الأسباب و هي:
v إن الجزائريين سمعوا وعودا كثيرة.... لكن لم تنفذ.
v إن فكرة المؤتمر لم تظهر إلا بعد فوز أحزاب الجبهة الشعبية.
v إن الذين فكروا في عقد المؤتمر كانوا يحسنون الظن بأحزاب الجبهة الشعبية لمواقف رجالها – في السابق – في القضية الجزائرية.
ففي سنة 1931 عقب الاحتفال بذكرى الاحتلال، ترأس موريس فيوليت(1) لجنة من مجلس الشيوخ الفرنسي، عهد عليها بدراسة الأوضــاع الجزائرية وتقديم توصيات عن الإصـلاحات التي يجب ادخلاها، و فعلا قدمت اللجنة مشروع إصلاحات أصبح منذئذ يعرف '' بمشروع فيوليت ''.
و قد احتوي مشروع فيوليت 8 فصول و 50 مادة، واهم ما اقترح فيه منح الجنسية الفرنسية للجزائريين من دون التخلي على الأحوال الشخصية، مع احترام حقوق الجزائريين و إلغاء قانون الأهالي، نوقش هذا المشروع من طرف البرلمان الفرنسي إلا انه رفض بعد التصويت، و رحبت به النخبة اشد ترحيب، حيث رأت فيه خلاصها و خلاص الجزائر من حالة الأهلية، كما رفضه حزب نجم شمال إفريقيا لأنه يربط الجزائر بفرنسا، كما رفضه المعمرون الفرنسيون تخوفا من تفوق الجزائريين عددا و نفوذا في المجالس المحلية، أما العلماء فقد وقفوا منه موقف المتحفظ.
و في  21 مارس 1935 ألقى فيوليت خطبة في البرلمان الفرنسي، راع فيه مصلحة فرنسا قبل كل شيء، و قد وضع أمامهم خيارين:
الأول: منح حـق الانتخاب لكــل الجزائريين مع بقائهم في هيئة انتخـابية خــاصة حتى لا يتنافسوا مع المعمرين الفرنسيين.
الثاني: منح حق الانتخاب لعدد قليل منهم، و هم جماعة النخبة و جعلهم ضمن الهيئة الانتخابية الفرنسية، كما لو كانوا مجنسين بالجنسية الفرنسية مع بقائهم على أحوالهم الشخصية، بذلك يكون 21000 فرنسي-مسلم له حق التصويت مع الفرنسيين، و العدد الإجمالي 202750 ناخب في الانتخابات التشريعية و يكون تمثيل الجزائر في البرلمان منذئذ بمعدل نائب لكل 20000 نــاخب و كانت غاية فيوليت إجبار السكان الأوروبيين عن طريق وحدة هيئة الناخبين أن يبحثوا بأنفسهم عن ميدان المصالحة مع الصفوة الجزائرية([11]).
و قد أوضح فيوليت انه يفضل الاختيار الثاني لسببين هما: أنه يمنح حق الانتخاب لأشخاص جدد ضمن نظام موجود من قبل و أن تحقيق هيئة انتخابية واحدة سيساعد على تحقيق دمج الجزائريين في المجتمع الفرنسي، وهو الأمر الذي تقوم عليه السياسية الفرنسية، و أما خلق هيئتين انتخابيين كما يقترح الاختيار الأول فهو يشجع الوطنية والانفصال، و بناءا على الاختيار الثاني فان الجزائريين سيزداد عددهم تدريجيا  حسب المؤهلات التي فصلها المشروع([12]).
        لم يكن مشروع فيوليت المشروع الفرنسي الوحيد الذي طرح كل مشاكل الجزائر خلال الثلاثينيات، بل هناك ثلاث مشاريع أخرى لم تـنل شهرة كما ناله هذا الأخير، وهي: مشروع فيرنوت الذي نوقش أيضا و مشروع دوروكس و مشروع كوظولي([13]).
        نلاحظ في النهاية أن كل هذه المشاريع باءت بالفشل لأنها لم تجد حكومة قوية تفرض وجودها على المعمرين في الجزائر، إضافة معارضة التيارات الوطنية حزب الشعب الجزائري و جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، قد أدت إلى سحب كل المشاريع من الميدان عشية الحرب الثانية.
ثانيا: انعقاد المؤتمر الإسلامي و دور الشخصيات الحاضرة فيه:
ازدادت الحالة في الجزائر في الثلاثينيات سوءا على سوء، فالوعود الكثيرة التي لوحت بها فرنسا للجزائريين منذ الحرب العالمية الأولى بشأن تحقيق بعض الإصلاحات الجوهرية في الميادين السيـاسية و الاجتماعية والثقافية والاقتصـادية التي لم يحقق منها شيء، و الحركات السياسية مشتتة و الشعب يئن تحت وطأة القوانين الاستثنائية الصارمة التي تكاد تلغى حتى يعاد العمل بها أو بما هو اشد منها قسوة و صرامة، و إزاء هذه الحالة قام الشيخ عبد الحميد بن باديس بتوجيه الدعوة إلى كافة التنظيمات السياسية في البلاد لعقد مؤتمر إسلامي لدراسة قضية الجزائر من كـافة جوانبها، و تقرير ما يراه صالحا في شأنها للخروج بالأمة من حالة اليأس العام و التذمر الشامل، و كسر الجمود الذي يحيط بالقضية الوطنية من كل جانب([14]).
و قبل التطرق إلى عقد المؤتمر نجيب أولا على الإشكالية التالية، وهي هل سبق هذا المؤتمر أي تحضير؟ ولماذا انعقد المؤتمر الإسلامي سنة 1936؟
انطلقت الدعوة لعقد المؤتمر الإسلامي من قسنطينة، و بدأ ابن باديس في اتصالاته مع الهيئات المعنية، وتمكن من إقناع ابن جلول بالفكرة، و نتيجة لتقارب وجهات النظر اصدر الزعيمان بتاريخ 16/05/1936 إلى المسلمين الجزائريين لكي يشكلوا لجانا من اجل التحضير لمؤتمر إسلامي جزائري ينعقد بالعاصمة خلال شهر جوان([15]).
إذا كانت أحداث ماي 1945 هي الشرارة التي أضاءت طريق الكفاح المسلح و قطعت الطريق على أنصاف الحلول، فإن سنة 1936 هي المنطلق الحقيقي للكفاح السياسي و للمد الثوري و المنعطف التاريخي، كما كان أول نوفمبر 1954 هو النتيجة الحتمية لهذه المسيرة، فـأول نوفمبر ولـد سنة 1936 و بلغ سن الرشد في أحداث 8 ماي 1945، و أصبح سيد نفسه في سنة 1954 ([16]).
إن الشعب الجـزائري لم يعرف الحياة السيـاسية منذ احتلال بلاده سنة 1830 إلا في سنة 1936، التي نجحت فيها الجبهة الشعبية في الانتخابات التشريعية بفرنسا، وخرجت فيها الحركة الوطنية للتنظيم و الوعي الوطني في وضح النهار، هذه السنة التي بدأت فيها الجماهير الشعبية تفرض وجودها على الساحة السياسية، وتستعيد كرامتها النضالية و تعبر على نفسها بالاحتجاج و المظاهرات و الإضراب عن العمل([17]).
عرفت سنة1936 حدثين هامين تمثل الأول في وفاة الأمير خالد رائد الوطنية الجزائرية، حيث حركت وفاته الروح الوطنية لدى الفئات الشعبية، فتعالت الأصوات منادية بضرورة توحيد الشعب الجزائري، أما الحدث الثاني فهو مجيء الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا([18]).
مـن دون شـك فإن المؤتمر الإسـلامي قد سبقته عدة لقـاءات تطرقت إلى مطـالبه وأبعاده، و الشائع أن كل هذه اللقاءات كانت تدور حول مشروع فيوليت، الذي اقترح منح الجنسية الفرنسية للجزائريين من دون التخلي على الأحوال الشخصية، مع احترام حقوقهم في العيش و إلغاء قانون الأهالي ([19]).
لقد شهدت العمالات الثلاث قسنطينة و العاصمة و وهران، تجمعات ضخمة حضرها لجان تحضيرية، شارك فيها النواب العلماء الشباب العمال و الفلاحين  و حتى قدماء المحاربين و الشيوعيين و الاشتراكيين.
هذا و قد سبق عقد هذا المؤتمر اجتماع بنادي الترقي ضم ممثلي العمالات الثلاث و دعاة المؤتمر و أنصاره، كم انضم إليه نواب آخرون جاءوا من تيارات و تلمسان، مستغانم، سيدي بلعباس، تم فيه تحديد جدول أعمال جلسات المؤتمر و تنظيمه و سير أعماله و أشغاله وتحديد أعضاء مكتبه و خطاباته، كما تم فيه تسمية المؤتمر بالمؤتمر الإسلامي الجزائري العام، كما تم الاتفاق على إنشاء رئاسة المؤتمر إلى الدكتور ابن جلول ([20]).
انعقد هذا المؤتمر يوم 07 جوان 1936 بقاعة الماجستيك في الجزائر العاصمة، و قد وصف محمد قنانش جو القاعة التي تعرف حاليا بقاعة الأطلس بأنها تعيش في جو تغمره الفرحة الكبرى بهذا اللقاء الأول من نوعه([21]).
وفد المنتخبون و الأعيان، و ضم المؤتمر السيـاسيين البارزين في ميدان السيـاسة الجزائرية، و الممثلين للعلماء و فدرالية المنتخبين و ابن باديس و الإبراهيمي، العقبي و الأمين العمودي و الدكتور ابن جلول و فرحات عباس و الدكتور سعدان و بوكردنة و ممثلي الحزبين الاشتراكي و الشيوعي ابن الحاج و ابو شامة و بوقرط و شخصيات مستقلة، و تناول الكلمة فيه عدد من الشخصيات الهامة، حيث افتتح الخطـابة الدكتور ابن جلول الذي وضح في تدخله أهداف المؤتمر و أهميته و مطالبه، ثم تلاه كل من الدكتور ابن التهـامي و الدكتور عبد الوهاب، و من بعدهم فرحات عبــاس ثم جاء دور العلماء، فتحدث الشيخ ابن باديس الذي ركز على مطالب الجمعية فيما يتعلق باللغة العربية و الدين الإسلامي، ثم تلاه الشيخ الطيب العقبي الذي ندد بالقوانين الاستثنائية المطبقة على الجزائريين منها قانون ميشال(1)، ثم تلاه الشيخ محمد البشير الإبـراهيمي الذي تحدث عن أهمية المؤتمر و مكـانة اللغة العربية و التعلم في الجزائر و من الذين تكلموا في هذا المؤتمر السيد سكوت  الفرنسي مندوب فرع الحزب الاشتراكي الفرنسي([22]).


·       مطالب المؤتمر و قراراته:
أسفر المؤتمر الإسلامي على جملة من المطالب لخصت مجملها في وثيقة أعطي لها عنوان الميثاق المطلبي للشعب الجزائري، و هي:
1)  إلغاء سائر القوانين الاستثنائية التي لا تطبق إلا على الجزائريين([23]).
2)  إلحاق الجزائر بفرنسا رأسا، و إلغاء الولاية العامة الجزائرية، و مجلس النيابات العامة، ونظام البلديات المختلطة.
3)  المحافظة على الحالة  الشخصية الإسلامية مع إصلاح المحاكم الشرعية بصفة حقيقة و مطابقة لروح الفقه الإسلامي و تحرير هذا القانون.
4)  فصل الدين الإسلامي عن الدولة بصفة تامة، وتنفيذ هذا القانون حسب مفهومه و منطوقه[24].
5)  إرجاع سائر المعاهد الدينية إلى الجماعة الإسلامية لتتصرف فيها بواسطة جمعيات دينية مؤسسة تأسيسا صحيحا.
6)  إرجاع أموال الأوقاف لجماعة المسلمين لتتمكن بواسطتها القيام بأمور المسـاجد و المعاهد الدينية و الذين يقومون بها.
7)  إلغاء كل ما اتخذ ضد اللغة العربية من وسائل استثنائية و إلغاء اعتبارها لغة أجنبية.
8)  الحرية التامة في تعليم اللغة العربية و حرية القول للصحافة العربية.
v الإصلاحات الاجتماعية:
1)  التعليم الإجباري للبنين و البنات.
2)  الشروع في بناء المدارس الكافية لتعميم التعليم الإجباري.
3)  جعل التعليم مشتركا بين الجزائريين و الأوربيين.
4)  الزيادة في معاهد الصحة من مستشفيات و مستوصفات، و الزيادة في معاهد الإغاثة كالمطاعم الشعبية، و إنشاء خزينة خاصة للعاطلين عن العمل([25]).
v الإصلاحات الاقتصادية:
1)  تساوي الأجور إما تساوي العمل.
2)  تساوي الرتبة إما تساوي الكفاءة.
3)  توزيع إعانات الميزانية الجزائرية للفلاحة و التجارة و الصناعة و الاحتراف على الجميع، و على مقتضي الاحتياج دون تميز بين الأجناس.
4)  تكوين جمعيات تعاونية فلاحيه و مراكز لتعليم الفلاحين.
5)  الإقلاع عن انتزاع ملكية الأرض من الجزائريين.
6)  توزيع الأراضي الشاسعة البور على صغار الفلاحين و عمال الفلاحة.
7)  إلغاء قانون الغابات([26]).
v الإصلاحات السياسية:
1)  إعلان العفو السياسي العام([27]).
2)  التمثيل الجزائري في البرلمان الفرنسي.
3)  منح الجنسية الفرنسية للجزائريين مع الاحتفاظ بشخصيتهم الإسلامية.
v الإصلاحات الإدارية:
1)  حذف مناطق الحكم العسكري التي لا زالت في الجنوب الجزائري و جعلها مدنية.
2)  إصلاح نظام البلديات بصفة عامة.
3)  حذف نظام القيادة التعسفي.



·       قرارات المؤتمر
صادق أعضاء المؤتمر على جملة من القرارات يمكن تلخيصها فيما يلي([28]):
1)  ثقة المؤتمر بالحكومة الشعبية و شكرها على عواطفها نحو الأمة الجزائرية.
2)  إلغاء جميع القوانين و القرارات الاستثنائية الخاصة بالمسلمين.
3)  منح المسلمين جميع الحقوق التي للفرنسيين مع التمتع الكامل بالميزات الإسلامية و إدخال إصلاحات عليها.
4)  منح الجزائريين حق التمثيل النيابي في البرلمان الفرنسي.
5)  انتخاب مشترك بين المسلمين و الفرنسيين و التأكد في المحافظة على الأحوال الشخصية الإسلامية.
6)  تأسيس لجنة تنفيذية للمؤتمر.








ثالثا: اللجنة التنفيذية المنبثقة عن المؤتمر و دورها:
كانت النتيجة الأولى لاجتماع المؤتمر الإسلامي العام، أن انتخبت لجنة مؤقتة(1) لتسيير أعماله وتنفيذ مقرراته التي اجمع عليها ممثلو الأمة من سائر الطبقات و كل الهيئات في ذلك اليوم، و كان من عمل اللجنة المؤقتة نشر الدعوة العامة في العمالات الثلاث ( الجزائر، قسنطينة، و هران ) لكي تنتخب لجانها من يمثلها في انتخاب اللجنة التنفيذية للمؤتمر([29]).
و قد انتخب 21 عضوا لتمثيل اللجنة التنفيذية أي بمعدل سبعة أعضاء لكل ولاية ( ثلاثة من النواب، ثــلاثة من العلماء، و واحد من الشـباب )، حيث اجتمعت اللـجنة التنــفيذية يـــوم 6 جويلية 1936 و كانت نقط جدول أعمالها: تحديد مهمة الوفد، عدد أعضائه و تاريخ سفره، و قد تقرر تقديم مطالب المؤتمر على أنها مطالب الأمة الإسلامية دون أن يضيف عليها الوفد شيئا، و إذا واجهت الوفد صعوبات فعليه أن يعود إلى الجزائر للمشاورة، كما تقرر عدم التساهل في المطالب و ضرورة التمسك في الوحدة و تعيين متكلم خاص باسم الوفد حتى لا تصدر عنه أخبار متناقضة، كما تحددت أسماء أعضاء الوفد و التاريخ المقرر للسفر إلى فرنسا. و هذه اللجنة اتفقت كلمتها على وجوب الإسراع بانجاز مقررات المؤتمر و المبادرة في إرسال وفد المؤتمر إلى باريس يطالب بالحقوق الجزائرية([30]).
بعد إتمام أعمال اللجنة التنفيذية طلب مكتب اللجنة من جناب الوالي العام م. لوبو أن يحدد موعـدا لمقابلته ليخبروه رسميا بتشكيل الوفد و تاريخ سفره فكان لهم ذلك فاستقبلهم يوم 9 جويلية فذهب كل من الدكتور ابن جلول و الأستاذ العمودي و الأستاذين ابن الحاج  و بوكردنة، فلقوا من  جنابه عطفا أنعش الآمال و سهل لهم مهمة السفر([31]).
أبحر وفد المؤتمر يوم 18 جويلية إلى فرنسا على متن الباخرة قوفيرنون قيدون، ليقدم المطالب التي حررتها لجنة التنسيقات و كان الوفد يضم ثمانية عشرا عضوا، من النواب تسعة أعضاء: ثلاثة يمثلون عمالة الجزائر و هم: الدكتور البشير عبد الوهاب و عبد الرحمان بوكردنة و الحاج عمارة فرشوخ، و ثلاثة يمثلون عمالة قسنطينة وهم: ابن جلول و عباس فرحات و طهرات العربي، و ثلاثة يمثلون عمالة وهران و هم: باش تارزي بن عودة و قاضي محمد المحامي و طالب عبد السلام، و من الشبان ثلاثة واحد عن كل عمالة وهم: السادة ابن الحاج وابن قليعة إبـراهيم و بوشامة عبد الرحمـان، ومن العلماء ثلاثة أيضا واحد عن كل عمالة  وهم الأساتذة: الشيخ عبد الحميد بن بـاديس و الشيخ البشير الإبراهيمي و الشيخ الطيب العقبي، ونائب عن قسم الجزائـر الجنوبي الدكتور سعدان ببسكرة، و السيد الأمين العمودي بصفته ترجمان للوفد و الدكتور الاخضري مستشار للوفد([32]).
عند وصول الوفد استقبل من طرف عدد من المسؤولين و البرلمانيين الفرنسيين، فكان رئيس الوفد ابن جلول يقدم الوفد للوزير واحدا واحدا، إذ يلقي كلمات التعريف بالوفد و مقاصده و ما يناسب مقام زيارة الوزير، ثم يتكلم الوزير بما يدل على الترحيب و حسن القبول، و بعدها يلقي الكاتب العام للجنة المؤتمر الأستاذ ابن الحاج مطالب الوفد و يشرحها مطلبا مطلبا شرحا وافيا، كما يجيب الوزير عن  تلك المطالب و يناقش في بعضها، ثم تكون كلمات من بعض الأعضاء([33]).
أول زيارة كانت عند السيد موريس فيوليت و قد دامت المفاوضات بينه و بين الوفد أكثر من ساعتين حول المطالب، كما تمت مقابلته مرة ثانية، و بعدها قابل الوفد الكاتب العام للوزارة '' راول اوبو''  و وعد هذا الأخير بالنظر في المطالب و انه سيقدم هو إلى الجزائر بنفسه.
و في 24 جويلية استقبل '' ليون بلوم '' رئيس الوزراء وفد المؤتمر و عرضت عليه مطـالب الأمة، فوعد بأنه سيدرس جميع المسائل المعروضة عليه و يفصلها في اقرب وقت.
كما صرح وزير الحربية '' دلاديه '' للوفد انه لن يوافق على إعطاء المسلمين الجزائريين حق النيابة في البرلمان ما داموا باقين على الشريعة الإسلامية، كما أوضح انه يكون من المعارضين لو طرحت القضية على البرلمان الفرنسي.
هذا فيما يخص جل المقابلات و الزيـارات التي قام بها الوفد أثناء فترة عمله([34]).
·       الاجتماع العظيم بالملعب البلدي:
بعد رجوع الوفد أعلن دعوة عامة للأمة الجزائرية لحضور الاجتماع العظيم، الذي عين له مكانا الملعب البلدي بالعناصر يوم 2 أوت 1936، ليقدم الوفد نتيجة المهمة و آفاقها، وقد رافق الوفد في نفس الباخرة التي أقلتهم رئيس نجم شمال إفريقيا السيد مصالي الحاج و زوجته و ولده([35]).
حيث إن الاجتماع انعقد باسم الأمة الإسلامية الجزائرية كلها على اختلاف هيئاتها و أحزابها، فلم يكن لأعضاء الوفد أن يمنعوا أي احد من حضوره أو الكلام عند المقتضى مع احتفاظ كل فـريق بمبادئه و فكره الخاص، كانت الساعة المعينة لافتتاح الجلسة هي السابعة و النصف و لكن تأخر الدكتور ابن جلـول رئيس المؤتمر و الوفد لعـارض ما تم الافتتاح على الســاعة الثامنة و خمسة و أربعون دقيقة، و قد كان اوزقن عضو اللجنة التنفيذية هو الذي افتتح الجلسة أمام ما يناهز عشرون ألف من الحضور، فألقى خطابا أتى فيه ببيان الغرض من الاجتماع ثم أعطيت الكلمة إلى ابن جلول الذي اخذ يتكلم عن مراحل سفر الوفد وما قوبيل به من الحفاوة من قبل الوزراء([36]).

إذ تداول الخطباء الكلام متناولين الرحلة و الغرض و النتائج، وان ابرز ما وصف به هذا اليوم بأنه '' يوم تاريخي ''، هو ما ألقاه عبد الحميد بن باديس و مصالي الحاج من خطب وطنية صادرة عن روح وطنية عالية، كما أعلنوا بنتيجة تمسكهم بمطالب المؤتمر.
وقف ابن باديس في هذا اليوم و كأن الخيبة المريرة التي يحس بها أو يتوقعها توخزه و تدفعه موقف رجل زعيم سياسي ما عرفناه من قبل، فصرح في ذلك الحشد قائلا: '' أيها الشعب انك بعملك العظيم برهنت على انــك شعبا متعطش للحـرية هائم بها، إننا مـددنا إلى الحكومة الفرنسية أيدينا، و فتحتنا قلوبنا، فان مدت إلينا يدها و ملئت بالحب قلوبنا فهو المراد، و إن ضيعت فرنسا فرصتها هذه، فإننا نقبض أيدينا و نغلق قلوبنا فلا نفتحها إلى الأبد... أيها الشعب لقد عملت و أنت في أول عملك، فاعمل ة دم على العمل وحافظ على النظام، واعلم أن عملك هذا على جلالته ما هو إلا خطوة و وثبة وراءه خطوات و وثبات، و بعدها إما الحياة و إما الممات..''([37]).
ثم تلاه السيد بوكردنة بصفته أمين المال، و أفاض في القول عن وصف وضعية الأمة الجزائرية المزية، ثم يطلب الكلمة مصالي الحاج الذي لم يكن مبرمجا، وبعد اخذ و رد سمح له بعشرة دقائق، بدأ خطابه بتحية لهذا التجمع الحاشد و أبدى فرحته لوجوده في الجزائر بعد 12 سنة من الغربة، ثم حيا المرأة الجزائرية ثم أخذ الكلمة بالفرنسية و حيا فيها المؤتمر و أيد فيها جميع المطالب المستعجلة ما عدا إلحاق الجزائر بفرنسا و التمثيل بالبرلمان الفرنسي و اقترح برلمان جزائريا، ثم يخطب الشيح البشير الإبراهيمي والشيخ الطيب العقبي، و هكذا انقضى الاجتماع([38]).




لقد اعتبر محفوظ قداش هذا المؤتمر فترة حاسمة في تاريخ الجزائر، كما وصفه محمد قنانش بالمنعطف التاريخي خلال تلك الفترة بما اشتـملت من أحداث و تقلبات على الصــعيد الوطني و العالمي([39])، و كما يرى أيضا محمد الطيب العلوي حسب رأيه أن المؤتمر حظي باهتمام زائد من الجزائريين([40])، لأنه:
أولا: لأول مرة ينعقد مؤتمر واسع بحجمه و أبعاده.
ثانيا: لأنه يضم اغلب التشكيلات و التنظيمات الموجودة بالجزائر.
ثالثا: تعرفت الجزائر من خلال المؤتمر على خلفيات الكثير مما كانوا يتصدرون و يتزعمون المحافل السياسية باسم الجماهير و الدفاع عنها.
رابعا: من الناحية التاريخية بمناسبة انعقاد المؤتمر ظهرت لأول مرة على ارض الوطن وبشكل علني أفكار نجم شمال إفريقيا.
خامسا: كانت تجربة و لها من نتائجها السلبية ما هو ايجابي.
·       ابرز شخصيات المؤتمر:
شارك في هذا المؤتمر كل التيارات السياسية و الاجتماعية على اختلافها، النــواب و العلماء و الشبان و الشيوعيين و الشخصيات المستقلة، و من ابرز شخصياته نذكر:
الدكتور ابن جلول: و هو الذي تصدر منصة المؤتمر و برز في نشاط الإعدادات له، حيث عينه ابن باديس على رئاسة المؤتمر و اللجنة التنفيذية كما ترأس الوفد إلى باريس، فهو المكلف بتقديم تقرير مهمة الوفد بعد الرجوع إلى الجزائر([41]).
و لعلنا نتساءل عن الأسباب التي جعلت ابن باديس يرشح أن جلول لرئاسة المؤتمر، يبدو أن هناك أكثر من سبب وراء ذلك، أن فكرة المؤتمر ولدت في قسنطينة مقر نشاط ابن جلول، الذي له شهرة واسعة بين الناس هناك بالإضافة إلى مكانته المرموقة من الوجهة الفرنسية، لأنه كان على رأس النواب.
الشيخ ابن بــــــاديس: و يعتبر الشخصية الرئيسية في المؤتمر، رغم انه لم يضع نفسه في الصدارة، فهو الذي دعا إليه منذ البداية و هو الذي كان موضع ثقة الجمـيع مهما اختلفت اتجاهيته، و هو الذي تكلم يوم المؤتمر للجماهير بلغتها و خاطبها بعواطفها ( عن الدين )، و كان بمظهره المؤثر و قدرته على الخطابة و اقتناعه الشخصي بما كان يدعو إليه مناط التقدير و الثقة من الحاضرين، وقد عبر ابن باديس شخصيا عن دوره في المؤتمر و نظرته إليه في اجتماع اللجنة التنفيذية حيث خاطب زملائه قائلا ، انه يعتز في حياته بعملين هما جريدة المنتقد و مجلة الشهاب من جهة، وجمعية العلماء من جهة أخرى، وقد إنضاف إليهما عامل ثالث و هو أعظمهما و أكثر فائدة منها و ذلك هو المؤتمر الإسلامي الجزائري، الذي اعتبره اكبر حادث وقع في الجزائر([42]).
مصالي الحاج: هو الشخصية الثالثة في هذه الظروف بعد ابن جلول و ابن باديس، إذ حضر التجمع الشعبي للمؤتمر ليستمع إلى تقرير الوفد عن رحلته إلى باريس، ألقى مصالي خطبته العامة التي تعتبر في حد ذاتها وثيقة تـــــــــــــــــاريخية من وثائق السياسية الجزائرية المعاصرة، فقد افتتحــــــها باللــــغة العربية و التي عبر بها عن فرحته و عودته إلى ارض الوطن بعد غربة دامت 12 سنة، حيث قال انه يفتخر بالحديث باللغة العربية و يعتز لأنها لغته الوطنية، ثم تحدث باللغة الفرنسية و أول ما أعلنه إلى الحاضرين انه جاء شخصيا ليربط النجم بهذه المظاهرة الكبيرة، و أعطي صورة كاملة للحاضرين عن نشاط النجم في فرنسا، و بطريقة لا إرادية اخذ حفنة من التراب الجزائري و صاح بكل قواه أن هذا التراب لا يندمج في غيره و لا يباع، و نادى لأول مرة فوق هذه الأرض الجزائرية بكلمة الاستقلال، حيث لقي تجاوبا و حماسا كبيرا من طرف الحضور([43]).
إضافة إلى حضور شخصيات عديدة كان لها دور كبير في نشاط المؤتمر نذكر منها: الشيخ الطيب العقبي ، السيد بوكردنة، و الامين العمودي، والدكتور سعدان و الاخضري و غيرهم من الحضور


[1] . جريدة البصائر، المؤتمر الإسلامي الجزائري، البشير الإبراهيمي، العدد 23، يوم 12 جوان 1936، الجزائر، ص: 1.
[2] . مؤمن العمري، المرجع السابق، ص: 31
[3] . بشير ملاح، تاريخ الجزائر المعاصر 1830-1989، ج 1، دار المعرفة، الجزائر، 2006، ص: 362
[4] . احمد مريوش، الشيخ الطيب العقبي و دوره في الحركة الوطنية، ط 1، دار هومة، الجزائر، 2007، ص: 171
[5] . ابو القاسم سعد الله، ج 3، المصدر السابق، ص: 161
[6] . فرحات عباس، المرجع السابق، ص: 153
[7] . ابو القاسم سعد الله، ج3، المصدر السابق، ص ص: 151 152
[8] . محمد قنانش، المرجع السابق، ص: 67
[9]. مولد العمري، المرجع السابق، ص: 52
(1)  شكيب ارسلان، زعيم عربي إسلامي ، ولد يوم 25 ديسمبر 1869 بســــــوريا و توفي يوم 9 ديسمبر 1946، نذر حياته على خدمة التراث العربي الإسلامي و الدفاع عن القضية العربية الكبرى في عصبة الأمم بجنيف.
(2)  مشروع فيوليت هو عبارة مشروع إصلاحي تقدم به موريس فيوليت سنة 1931، بعدما ترأس لجنة من مجلس الشيوخ الفرنسي، و احتوى المشروع على 8 فصول و 50 مادة.
[10]. محمد الطيب العلوي، مظاهر المقاومة الجزائرية 1830-1954، المؤسسة الوطنية للاتصال، الجزائر، ص: 152
(1)موريس فيوليت ولي حاكما عام على الجزائر مابين 1925-1927، حاول اعطاء بعض الحقوق للمسلمين الجزائريين.
[11] . شارل روبير اجيرون، المصدر السابق، ص: 145
[12] . ابو القاسم سعد الله، ج 3، المصدر السابق، ص: 17
[13] . المصدر نفسه، ص: 20
[14] . رابح تركي، المرجع السابق، ص ص: 75 76
[15] . احمد مريوش، المرجع السابق ، ص: 173
[16] . محمد قنانش، المسيرة الوطنية و أحداث 8 ماي 1945، منشورات دحلب، ص: 45
[17] . المصدر نفسه، ص: 46
[18] . حميد عبد القادر، فرحات عباس رجل الجمهورية، دار المعرفة، الجزائر، 2007، ص: 71
[19] . احمد مريوش، المرجع السابق، ص: 174
[20] . عبد الكريم بوصفصاف، المصدر السابق، ص: 252
[21] . محمد قنانش، المصدر السابق، ص: 109
[22] . بشير ملاح، المصدر السابق، ص ص: 382 383
(1) نسبة إلى ميشال والي ولاية الجزائر، يقضى المنشور بمنع العلماء من القيام بنشاطهم في المساجد.
[23] . محفوظ قداش، المصدر السابق، ص: 31
[24] . رابح تركي، الشيخ عبد الحميد بن باديس باعث النهضة العربية الاسلامية في الجزائر المعاصرة، ط 2، موفم للنشر، 2003، ص: 119
[25] . عبد الرحمان الجيلاني بن محمد، تاريخ الجزائر العام، ج 4، ديوان المطبوعات، 1982، ص: 357
[26] . عبد الرحمان إبراهيم العقون، الكفاح القومي و السياسي، ج 1، الجزائر، 1984، ص: 22
[27] . محمد قنانش، محفوظ قداش، المصدر السابق، ص: 112
[28] . ابو القاسم سعد الله، ج 3،المصدر السابق، ص: 157
[29] . جريدة البصائر، تشكيل الوفد، العدد 29، 24 جويلية 1936، الجزائر، ص: 1، للمزيد انظر الملحق: 01
(1)  تتكون من النواب وهم: ابن جلول ، طالب عبدد السلام، بوكردنة، و من العلماء هم: الابراهيمي، العقبي، خير الدين، و من الشباب هم: ابن الحاج، ابو شامة. للمزيد انظر: جريدة البصائر، العدد 24، السنة الاولى، 19 جوان 1936.
[30] . ابو القاسم سعد الله، ج 3، المصدر السابق، ص: 157
[31] . محفوظ قداش، محمد قنانش، المصدر السابق، ص: 111
[32] . جريدة البصائر، المصدر السابق، انظر الملحق: 01
[33] . بشير ملاح، المصدر السابق، ص: 384
[34] . جريدة البصائر، وفد المؤتمر الإسلامي، العدد 30، 31 جويلية 1936، الجزائر، ص:1، انظر الملحق: 3
[35]. Mahfoud kaddache, Mohamed Guenaneche, L’Etoile Nord-Africaine 1926-1937, O.P.U, p : 113-114
[36] . جريدة البصائر، اجتماع عظيم لم يسبق له نظير، العدد 31، 7 أوت 1936، الجزائر، ص: 1 انظر الملحق: 4
[37] . عبد الرحمان ابراهيم بن العقون، المصدر السابق، ص ص: 33 34
[38] . محمد قنانش، محفوظ قداش، المصدر السابق، ص: 114
[39] . محفوظ قداش، المصدر السابق، ص: 29
[40] . محمد الطيب العلوي، المصدر السابق، ص: 163
[41] . أبو القاسم سعد الله، ج 3، المرجع السابق، ص: 159
[42] . المصدر نفسه، ص: 162
[43] . محمد قنانش، المصدر السابق، ص: 46، انظر ملحق رقم: 6

أولا: موقف الحركة الوطنية من المؤتمر الإسلامي الجزائري:
تشير اغلب المصـادر إلى أن المؤتمر اقتصر حضوره على ثـلاث قوى رئيسية، هي العلمـاء و النواب و الشيوعيين الذين أصبح لهم تأثير في الحياة السياسية، بعد وصول الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا قبيل انعقاد المؤتمر بقليل.
هناك من رأى في غياب مصالي عن تحضير المؤتمر بمثابة شل للقضية الوطنية، إلا أن غياب مصالي لا يعني بالقطع غياب أنصاره و حزبه عن كل المناقشات الواسعة عن هذا الأخير([1]).
فالنجم لم يشارك بجدية في المؤتمر على الرغم من الخطاب الذي ألقاه مصالي الحاج أمام المؤتمرين و اقر فيه انه قدم إلى الجزائر للمشاركة في الاجتماع الكبير بالملعب البلدي، لكي يشرك منظمتنا في هذه المظاهرة الضخمة، '' و رغم موافقتنا و تأييدنا بل و تهنئتنا لمنظمي المؤتمر، الذي سيكون نقطة تحول في تاريخ الجزائر، فإننا نقول لكم بصراحة بأنه يجب علينا اليوم أن نقدم لكم توضيحات نراها ضرورية، حقا إننا نوافق على المطالب التي قدمت إلى حكومة الجبهة الشعبية و إننا سنؤيدها بكل قوانا حتى نراها منجزة، و لكننا نقول صراحة و بشكل لا يقبل التراجع بأننا نتبرأ من ميثاق المطالب بخصوص إلحاق بلادنا بفرنسا، و بخصوص التمثيل البرلماني ''، و من هذا كله يتضح لنا بأن موقف النجم مؤيد للمطالب الدينية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية، و رفضه للمطالب السياسية التي تمس السياسية الوطنية، فالنجم مطلبه الأول و الأخير هو الاستقلال التام للجزائر([2]).

فرجال النجم قد أكثروا من المناورات، فهم لا يشتركوا في الإعداد للمؤتمر و لا في تحمل المسؤولية السياسية، و مع ذلك اشتركوا في النقد و في محاولة قطف الثمار حين آن وقت اقتطافها، ولولا التجمع الذي نظمه المؤتمرون لما استطاع مصالي أن يلقي خطبته الشهيرة يوم الثاني من أغسطس فقد وجد الطريق ممهدة و النفوس معدة و الجمع حافلا، منتهزا هذه الفرصة الثمينة لدعوة الشعب للانضمام إلى حزبه([3]).
أما عن مشاركة جمعية العلماء في تبني سياسية و مطالب المؤتمر اعتبرت غلطة سياسية كبرى انتقدت عليها، كما انتقد الشيخ عبد الحميد بن باديس و هو المناضل بصلابة عن الشخصية القومية للشعب الجزائري، و قد ذكر لنا الشيخ البشير الإبراهيمي '' إن جمعية العلماء لم تشارك في المؤتمر الإسلامي الجزائري، و لم توافق على مطالبه إلا من اجل المحافظة على الشخصية الإسلامية للشعب الجزائري، و إن دمج مطالبها في حرية الدين الإسلامي و التعليم العربي، و ترسيم اللغة العربية و تنظيم القضاء الإسلامي([4]).
كما يذكر لنا توفيق المدني نفس المبرر في شأن مشاركة جمعية العلماء بان هدفهم كان للدفاع عن الكيان العربي الإسلامي و إدماج المطالب الدينية و العربية ضمن برنامج المؤتمر، لكن كل تلك المبررات لا تعفي من انتقاد مشاركة ابن باديس في المؤتمر، و تبنيه لمطالب التي لا تخرج في عمومها عن نطاق مفهوم الإدماج([5]).
ذلك أن مشاركة الجمعية في المؤتمر الإسلامي ليست ضربة مفاجئة للرجعية و أهل الجمود فحسب، بل  كانت مزعجة للدوائر الفرنسية أيضا هذا من جهة، و من جهة أخرى فان فشل المؤتمر الإسلامي كان من الحوافز التي دفعت الجمعية إلى الثقة بالحكومة الفرنسية في الحصول على الحقوق المدنية و السياسية التي انعقد المؤتمر الإسلامي من اجلها، و زاد في إيضاح موقف الجمعية من كل الأحزاب و الهيئات السياسية و الدينية و الاجتماعية في البلاد([6]).
أما أنصار العلماء فيقولون بأن مشاركتهم لم تكن باسم الجمعية لكن باسم الأفراد الذين كانوا يعبرون عن وجهات نظرهم الخاصة، وقد دافعو عن ذلك بأن مشاركة العلماء قد منعت الجزائر من الاندماج لان معظم المشاركين في المؤتمر كانوا من أنصاره([7]).
و لعل الذي سبب كل هذه التعاليق حول مشاركة العلماء هو شخصية بن باديس، و كثير من الناس لم يفرقوا بين بن باديس رئيس الجمعية و بن باديس رجل مواطن، و المقصود هنا ليس أي عمل إصلاحي ينسب إلى جمعية العلماء و رئيسها، كما نجد احد الكتاب المعاصرين يقول '' و لم يكن العلماء على جانب من الخبرة بوســائل الاستعمار في مجال الصراع الفكري.... و لم يكن لــــــديهم من حدة المزاج و صرامة الإرادة ما يكفي حتى يتــداركوا الموقف عندما بدأ الــوطن يخرج رويدا رويدا من جادته إلى مسارب الديماغوجية([8]).
ومع ذلك فقد شاركوا في ذلك التجمع السيـاسي الكبير بوفد هام إلى جـانب الزعماء السياسيين، و كان لهم دورا بارزا في أعمال المؤتمر و مطالبه.
فبقدر ما كان موقف الشيخ بن باديس المعارض شديدا و قطعيا و مفحما للتجنيس و دعاته، كان موقفة مطواعا إلى حد اتجاه زعماء المؤتمر الإسلامي([9]).
و يبقى دائما السؤال المطـروح، كيف غير الشيخ بن باديس رأيه بسرعة و نـاقض نفسه و جمعيته في هذا المؤتمر الذي يتناقض مطالبه و أهدافه مع مطالب و أهداف الجمعية، و توجهاتها التي تتلخص في الشعار الخالد: الإسلام ديننا و العربية لغتنا و الجزائر وطننا.
و الجواب هو كلا من بن جلول و الشيخ بن باديس يكملان بعضهما البعض، ولذلك ضحى كلا منهما ببعض مواقفه للحصول على موافقة الأخر و دعمه، فابن جلول كان يرى إن انعقاد المؤتمر بدون جمعية العلماء و الشيخ بن باديس بالذات لا يمكن أن ينال النجاح، و لا ربما لا يمكن عقده أصلا.
أما حركة النواب فكانوا يبررون موقفهم المتخاذل بأن المطالبة بالحقوق الفرنسية ليست إلا مرحلة يجب أن تجتازها الجزائر، كما أن موقف الشيخ الطيب العقبي بالحاجة على الولاء لفرنسا يختلف عن موقف الشيخين بن باديس و الإبراهيمي.
أما الحـــزب الشيوعي فــــلم يفوت فرصة أن سجل في بيان مؤتمره الأول (17/18 أكتوبر 1936) إن قبوله بمطالب المؤتمر لا يعني تنازله على بعض مبادئه الأساسية و يبرز موقفه في البيان الصادر عن مؤتمره ذلك بـأن الحزب يساند كل حركة تطرح مطالب مرحلية '' فسنظل دائما منتصرين بحماس لوحدة جميع المضطهدين و المشغلين دون تمييز في الاتجاه أو العرق أو الدين..'' لذلك نريد توحيد أنصار السلم و الحرية داخل الجبهة الشعبية و المؤتمر الإسلامي وتوحيد نشاط هاتين الحركتين التقدميتين([10]).
كما تعاون قادة الحزب الشيوعي الجزائري مع أحزاب الحركة الوطنية في أواخر الأربعينيات دور هام في مساندة جمعية العلماء و التنسيق معها في المؤتمر الإسلامي الجزائري([11]).






ثانيا: موقف الأحزاب الفرنسية و الكولون من المؤتمر الإسلامي:
لما شعرت الإدارة الفرنسية بتلاحم تيارات الحركة الوطنية الجزائرية قبيل موعد سفر الوفد إلى باريس، خصوصا على اثر مظاهرات 14 جوان التي شهدتها العاصمة و المدن الجزائرية الأخرى، لجأت إلى إصدار عدة قرارات في اليوم الذي قرر فيه سفر وفد المؤتمر منها: التدعيم المالي و حرية تنقل الأهالي، و تكوين مكتب خاص للجنة المالية، حيث كان الهدف من وراء هذه القرارات هو تمييع مطالب الوفد من جهة، ومن جهة أخرى إسكات التيار الشيوعي الذي استفحل أمره بعد انفصاله عن الحزب الشيوعي الفرنسي، واستخدامه القاعدة العمالية و تحريضها على الإضراب لتحقيق المطالب([12]).
إضافة إلى أن الضغط على الجبهة الشعبية لم يكن عائدا كله إلى العوامل الخارجية مثل موقف المعمرين، بل كان يعود أيضا إلى عامل داخلي و هام، وهو أن الجبهة قررت عدم تحمل مسؤولية نهاية الإمبراطورية الفرنسية على يديها، فقد كانت مستعدة لـــــــتقديم بعض التسهيلات إلى مختلف الاتجاهات الوطنية الناشئة في الإمبراطورية و النظر بعطف على آمال الشعوب التي تناشد الحرية و تحاول الخلاص من نير الاستعمار([13]).
بعدما انقضى الاجتماع الذي انعقد بالمـــــلعب البلدي يوم 2 أوت وقعت مؤامرة استعمارية قتل فيها المفتي بن دالي المدعو كحول، لغرض ضرب حركة المؤتمر و شل كل تحرك سياسي كيفما كان مصدره، و قد اتهم الشيخ الطيب العقبي و السيد عباس التركي و اعتقلا([14]).



 فبالنسبة للأستاذ عبد الرحمان بن إبراهيم بن العقون فيقول في هذا الصدد '' و هكذا تكيد إدارة الولاية العامة مكيدة مقتل مـفتي الجزائر العاصمة، و الإمام الأول بها الإمام الشيخ محمود  كحول بن دالي(1)، و هو يتنسب لكتلة العلماء المحافظين، و قريب من الإدارة الفرنسية فاشترت شخص بثلاثين ألف فرنك يدعى ''عكاشة '' فقتله و اتهم السيد الطيب العقبي و السيد عباس التركي محمد علي و هما ينتسبان للصف المقابل لجمعية العلماء المسلمين([15]).
 أما عمار بوحوش فيقول هو أيضا '' و في شهر أوت لقي هذا المفتي حتفه حيث تم اغتياله من طرف شخص مجهول، و لكن السلطات الفرنسية اتهمت الشيخ الطيب العقبي ( الذي هو من الشخصيات المقربة لعبد الحميد بن باديس )، باغتيال مفتي الجزائر و بادرت بإلقاء القبض عليه بدون وجود أي حجة ملموسة ''، قيل انه كان يعارض بعض الموظفين السامين الفرنسيين في إدارة الشؤون الأهلية بخصوص احتجازهم لأموال بعض الأوقاف الإسلامية، فتأمروا ضده و عزموا على التخلص منه قبل أن يكشفهم([16]).
كانت جمعية العلماء و نادي الترقي من اشد خصوم الإدارة كانت الفرصة مواتية لإلصاق التهمة بالعلماء المصـلحين بعد أن وجهت برقية احتجاج ضد وفد المؤتمر الإســلامي إلى الحكومة في يوم 19 جوان 1936، أراد هؤلاء المتآمرون في إدارة الاحتلال أن يضربوا عصفورين بحجر واحد، فاغتالوه ونسبوا الجريمة لجمعية العلماء، و اخصوا بذلك الشيخ الطيب العقبي و كانت عملية الاغتيال بواسطة عصابة إرتـشتها الإدارة، و الهـدف من وراء ذلك هو القضــاء على نادي الترقي و جمعية العلـماء و طمس منابع الإصلاح الإسلامي([17]).
وقد أثيرات ادعاءات كثيرة حول اغتيال المفتي كحول و قدم الطيب العقبي إلى المحكمة مرات عديدة، ومع ذلك كان موقفه أثناء جلسات المحكمة من شهر أوت 1936 إلى شهر جوان 1939 موقفا  شجاعا حتى برئ من التهمة في جوان 1939، وقد وقع خلاف في هذا الصدد بين العقبي و زملائه في الجمعية حول هذه الحادثة، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الأخير يميل إلى التيار الموالي للحكومة، فظهر بينه وبين ابن باديس شيء من الخلاف([18]).
و جاء يوم 10 أكتوبر 1936 و هو اليوم الذي نشرت فيه جريدة '' الوقت '' المعادية للتيار الفرنسي، مقالا أبرزت فيه مخاوف فرنسا من إقدام حكومة الجبهة الشعبية على إصدار مراسيم للإصلاحات السياسية و وضع الجميع أمام الأمر الواقع، و أثار هذا المقال احتجاجات كبيرة في الجزائر وفي فرنسا ضد حكومة الجبهة الشعبية، التي وجدت نفسها مضطرة إلى إصدار بيان أنكرت فيه وجود أية نية لإصدار مراسيم خاصة بالإصلاحات السياسية و أعلنت ستقدم بمشاريع سياسية تتعلق بإعطاء بعض الحقوق السياسية لأبناء الجزائر الأصليين إلى البرلمان الفرنسي لكي يناقشها([19]).
 وفي الوقت نفسه تحرك أوروبيي الجزائر في عدة اتجاهاي فالبرلمانيون منهم طالبوا بوجود طبقتين من المنتخبين الفرنسيين وغيرهم ،في حين أن المشروع ينص على وجود طبقة انتخابية واحدة و هناك مثل "اليزي ساباتي" من طالب بتشكيل مجلس اعلى من المسلمين مقره باريس يكون ممنوعا إدارة أي أراء سياسية، ومن الواضح أن تشكيل مجلس منتخب من المسلمين فقط يهدف –عبر التزييف – إلى انتخابات صورية ، تمكن الإدارة التي يسيطر عليها الاستعماريون المتطرفون من تعيين ما يريدون من المسلمين الذين يأتمرون بأوامرهم ، و هناك من كان يربط حق إعطاء حق التصويت إلى فئة الجزائريين الذين ينص عليهم المشروع ، بتخليهم عن الأحوال الشخصية فهو ما كانت ترفضه اغلب التيارات التي تشكل عنها المؤتمر الإسلامي ومما لا شك فيه أن الاروبيون يشترطون هذا الشرط لأنهم يعرفون أن معظم الجزائريين يرفضونه، و في سياق حملة أوروبيي الجزائر تلك أعلن نوابهم في البرلمان عن أنهم يستقلون إذ قدم المشروع للنقاش ([20]).
إذن فسلطة الكولون تدبير ضروري يجب أن يبقى ويسود للإبقاء على هذه السلطة المطلقة يلجا المستعمرون دائما إلى العنف وإنشاء وحدات قمع مسلحة و إطلاق يدها على الأهالي.
ومضت هذه الحملة المغرضة التي يدفعها و يمولها كبار المستعمرون موري نو و دوروا و بورجو وسيكار و غيرهم تتفاقم وتتعاظم بواسطة هذه الفئة ووفودها ومكائدها تعمل في ناحيتين وتحارب في واجهتين ،واجهة نحو الحكومة الشعبية لتأليب الأحزاب اليمينية المتطرفة عليها و الواجهة الأخرى نحو الشعب الجزائري وضرب الحركة الوطنية وتشتيت أحزابه وأفراده والتالي تقضي على أي تحرك مهما كان نوعه و لو بالقوة الغاشمة أن لزم الأمر([21]).
فقد غادر ليون بلوم رئاسة الحكومة دون أن يتمكن من انجاز أي واحد من الوعود التي التزم بها وقد سلك كاميل شانطون مسلكه عندما خلفه في رئاسة الحكومة من جوان 1937الى جانفي 1938ثم إن بعض الشخصيات الفرنسية التي أسندت إليها مسؤوليات تتصل بالجزائر بسبب ما عرف عنها من تحرر لم تلبث أن تراجعت فالسيد اوبان و هو مسؤول عن الشؤون الجزائرية في وزارة الداخلية ليتفقد الأوضاع ويعود بما يعزز خط المشروع وبعد عودته أدلى بتصريح إلى صحيفة  لوماتان جاء فيه " أن السؤال المطروح هو هل نريد أو لا نريد أن نحتفظ بالجزائر ففي ما آدا كنا نريد الحفاظ على مكانتنا فيجب أن نمارس في المستعمرة سياسة سلطة حازمة ، أن تطبيق تدابير استثنائية صارمة ضروري للقضاء على عمل المشاغبين


و جاء هذا الإعلان بمثابة تمهيد و تحضير لحملة منسقة قام بها ممثلو الأوربيون في البرلمان الفرنسي ورؤساء البلديات في الجزائر الذين قاموا بإضرابات كانت نتيجتها إصابة الإدارة الجزائرية بشلل تام([22]).
دق ناقوس الخطر بالنسبة للمعمرين من خلال مناقشة مشروع بلـوم فيوليت، فجـندوا صحافتهم و ممثليهم في البرلمان الفرنسي( لم يكن للجزائريين ممثلون هناك)، و أمـوالهم لمنع المـــوافقة على المشروع، و قد استعمـلوا ضغطا أخر و هو الاستقالة الجماعية من الوظــائف العامة، كما حدث عندما استقال حوالي 390 شيخ بلدية في 8 مارس 1938 ثم تعاقبت الاستقالات، و أمــام هذه الضغوط و التهديدات قررت حكومة السيد دلادية الجديدة وضع حد للمشروع([23]).
إلا أن السيد البيرو صارو وزير الداخلية حاول أن يتقدم بمشروع قرار إلى البرلمان يعطي لحوالي 27 ألف جزائري نفس الحقوق التي يتمتع بها  المعمرون، حيث أن النخبة حملة الشهادات العلمية و أصحاب الأوسمة و الموظفين الإداريين، يفقدون تماما حالتهم الشخصية الإسلامية و يصبحون إجباريا فرنسيين كليا، أما بقية المسلمين فلهم حرية البقاء على الحالة الإسلامية وهم بذلك يؤلفون كتلة انتخابية خاصة بهم و لهم الحق في إرسال من يمثلهم في مجلس النواب الفرنسي على نسبة عدد الممثلين الفرنسيين([24]).
 لكن هذه الخطوة أثارت سخط هؤلاء، و كان هدف صارو من ذلك هو منع الجزائريين من الانجذاب نحو حركة الجامعة الإسلامية أو القومية العربية، غير انه كان يدرك جيدا أن مجلس الدولة الفرنسي يستطيع أن يرفض المراسيم الحكومية التي  لا تستند على قواعد قانونية معترف بها في التشريع الفرنسي([25]).
بل أن شخص مثل البير صارو قد نسب إليه القول بان المشروع لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت أمام باريس، حركة إسلامية يستبعد منها علماء الإصلاح الديني([26])، حيث تكتل المستوطنون و من وراءهم الولاية العامة التي كانت تحت سيطرتهم ليظهروا للحكومة المركزية أن الجزائريين مقدمون على ثورة ضد الحكم الفرنسي([27]).


[1] . احمد مريوش، المرجع السابق، ص : 184
[2] . ابو القاسم سعد الله، ج 3، المصدر السابق، ص: 264 للمزيد انظر الملحق رقم: 6
[3] . مصدر نفسه، ص: 164
[4] . ربح تركي، المرجع السابق، ص: 79
[5] . مرجع نفسه، ص: 79
[6] . عبد الكريم بوصفصاف، المصدر السابق، ص: 216
[7] . ابو القاسم سعد الله، ج 3، المصدر السابق، ص: 164
[8] . عبد الكريم بو صفصاف، المصدر السابق، ص: 332
[9] . يحي بوعزيز، موضوعات و قضايا من تاريخ الجزائر و الحرب العالمية الأولى، دار الهدى، الجزائر، 2004، ص: 28
[10] . محمد الميلي، المؤتمر الاسلامي الجزائري، دار هومة، الجزائر، 2007، ص:452
[11] . عمار بوحوش، المرجع السابق، ص: 282
[12] . احمد مريوش، المرجع السابق، ص: 187
[13] . ابو القاسم سعد الله، ج3 ، المصدر السابق، ص: 31
[14] . محمد قنانش، المرجع السابق، ص: 47
[15] . عبد الرحمان بن إبراهيم بن العقون، المصدر السابق، ص: 37
[16] . عمار بوحوش، المرجع السابق، ص: 261
[17] . عبد الكريم بوصفصاف، المصدر السابق، ص: 286
(1)   كان الشيخ محمود بن الحاج كحول بن دالي من علماء الدين الجزائريين، ولكنه لم يكن ينتسب لجمعية العلماء أو عضوا فيها لأنه كان موظفا رسميا لدى الحكومة، و تولى تدريس العربية و الشريعة الإسلامية في مدرسة قسنطينة الحكومية فترة من الزمن، ثم نقلته الإدارة إلى مدينة الجزائر فصار محررا في قسم الترجمة في الولاية العامة، ثم عين إماما للجامع الكبير و نائبا لمنفي المالكي بالعاصمة، فأصبح من المقربين إلى الإدارة الفرنسية بحكم منصبه. انظر الملحق رقم: 8
[18] . عبد الكريم بوصفصاف، المصدر السابق، ص: 288
[19] . عمار بوحوش، المرجع السابق، ص: 262
[20] . محمد الميلي، المصدر السابق، ص: 467
[21] . فرحات عباس، المرجع السابق، ص : 139
[22] . محمد الميلي، المصدر السابق، ص: 468
[23] . ابو القاسم سعد الله، ج 3، المصدر السابق، ص ص: 76  77
[24] . المصدر نفسه، ص: 79
[25] . عمار بوحوش، المرجع السابق، ص: 262
[26]. Charles Robert Ageron, Histoire de L’algerie, contemporaine 1871-1950, tome 2, pains : puf, 1979, P : 458
[27] . عبد الرحمان ابراهيم بن العقون، المصدر السابق، ص: 36
أولا: تأثيراته على نشاط التيار الإدماجي:
لم تفقد النخبة الأمل في إمكانية نجاح المشروع، فعقد فرحات عباس عدة لقاءات مع '' البير سارو'' الذي أصبح وزيرا للداخلية الفرنسية في عام 1937،  و أوضح فيها شرعية المطالب الجزائرية، وكانت النخبة لا تزال ترى أن الحل الأمثل للمشكلة الجزائرية هي دمج الجزائري بالفرنسي، وقد اقـتنع ''سارو'' بالحجج التي أدلى بها فرحات عباس، و لكنه اعترف بعجزه أمام قوة الاستعماريين و قال '' استقبلت في هذه الأيام بعد النواب الأوروبيين و تناقشت معهم في مشروع فيوليت، و أدليت لهم بنفس الحجج التي عرضتها أنت على، حاولت عبثا أن أقنعهم وناشدتهم أن يتفهموا لها باسم وطنيتهم و عقولهم و قلوبهم، و لكنني أدركت بان هؤلاء السادة لا وطنية لهم ولا عقل ولا قلب، ما هم إلا بطون منتفخة''([1]).
فـــوجه المؤتمرون الدعوة إلى النخبة الجزائرية للاستقالة من مناصبهم إذا لم توافق الجبهة الشعبية على المشروع، و بالفعل لبى النداء حوالي 3000 جزائري في منطقة قسنطينة فغادروا مكاتبهم لكن الاستجابة كانت ضعيفة في المناطق الأخرى([2]).
غير أن الإدارة الفرنسية في الجزائر حاولت تهدئة الموقف و أعلنت أن مشروع بلوم فيوليت سيطرح للمناقشة أمام البرلمان الفرنسي و إزاء ذلك الموقف عاد أعضاء النخبة إلى منـاصبهم مرة أخرى، غير أن الأمر باء بالفشل بين الطرفين([3]).
حاولت النخبة مرة أخرى التفاوض مع الحكومة الفرنسية للموافقة على المشروع، فانعقدت دورة ثانية للمؤتمر الإسلامي بين 9 و11 جويلية 1937 بنادي الترقي دون مشاركة حزب الشعب، و جددوا تمسكهم بمطالب المؤتمر الأول و أرسل وفد إلى باريس لتقديم المطالب الجزائرية، و قابل رئيس وزراء فرنسا الجديد '' دلاديه ''، حيث أجاب هذا الأخير أعضاء الوفد مهددا بالقول: '' إن البرلمان معارض لمشروع فيوليت لأنه يرى أن الجنسية الفرنسية لا تتلائم و قانون الأحوال الشخصية الإسلامية، ولذا ليس بيدي شيء و اطلب منك إعانتي على حفظ الأمن ولا تضطروني إلى استخدام القوة التي بحوزة فرنسا، لان فرنسا امة قوة الجانب ''([4]).
وكان هذا القول بمثابة ضربة وجهت إلى الأمل الأخير الذي كان يدفع النخبة إلى بذل المزيد من الجهد، حيث رد فرحات عباس قائلا: '' إن احترام حقوق الإنسان أكثر أهمية مي أي قوة، والسياسية التي تفسح للآمال طريقا دون تحقيقها، وتلوح بالوعود دون أن تفي شيء منها، لا هي سياسية تؤدي إلى القطيعة. و ستتحمل الحكومة الفرنسية مسؤولية هذه السياسية الخرقاء أمام التاريخ ''([5]).
وأجاب الشيخ ابن باديس قائلا: '' لا حوله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الحق بجانبنا والحق يعلو ولا يعلى عليه، و مهم يكون من أمر فإننا مستمرين في كفاحنا، أحب من أحب  و كره من كره ''([6]).
و قد أدرك ابن باديس مذ خيبت الحكومة الفرنسية أماله و أمال إخوانه برفض الاستجابة لمطالب المؤتمر الإسلامي المتواضعة، ادر كان ذلك يمثل فاصلا بين مرحلتين متمايزتين من تاريخ النضال الجزائري، مرحلة ما قبل المؤتمر الإسلامي، وعبر عنها الشعار الذي وضعه على واجهة صحيفة '' الشهاب '' حتى عدد أكتوبر 1937، وهو: '' الحق و العدل و المؤاخاة، في إعطاء جميع الحقوق للذين قاموا بجميع الواجبات''، معبرا بذلك عن فكرة السعي إلى تحقيق المساواة استنادا إلى تفهم فرنسا الذي لم يتحقق. أما بعد إخفاق المؤتمر، فقد استبدله بشعار آخر يعبر عن اليأس من فرنسا، و ضرورة الاستعداد بالتوكل على الله لخوض معركة المضير، وهو: '' لنعول على أنفسنا، و لنتكل على الله ''([7]).

بدات النخبة في الابتعاد عن الفرنسيين بعد ان ايقنت بعدم جدوى التعامل معهم و اتجهت الى الكتلة الوطنية، وكان الدكتور بن جلول اول من قام بالخطوة الاولى في هذا المجال([8])، فأعلن في عام 1938 عن تنظيم يحمل إسم التجمع الفرنسي الإسلامي الجزائري([9])، و كان التنظيم يضم جماعات مختلفة من العلماء مثل ابن باديس و بعض الاتحادات التجارية و رجال الحزب و مجموعة من اعضاء حزب الشعب الجزائري، و قد اكدا هذا الاتحاد على المطالب الاصلاحية التي كان المؤتمر الإسلامي الأول قد أعلنها من قبل و أهمها: الإعتراف باللغة العربية كلغة رسمية للبلاد، و حرية الصحافة العربية، إالغاء القوانين الإستثنائية، المساواة في الأجور و فرص العمل بين الأوروبيين والمسلمين، منح المساعدات المالية للفلاحين و إيجاد هيئة إنتخابية واحدة مع تطبيق مبدأ الإقتراع العام([10]).
أما فرحـات عباس فقد إنفصل عن بن جلول و كون في افريل 1938 الإتحـاد الشعبي الجزائري، و اعلن ان هدف الإتحاد هو الدفاع عن حقوق الشعب الجزائري و حق المواطنة الفرنسية التي كان بن جلول قد تعهد بالمطالبة بها منذ عام 1937([11]).
و خلال الحرب العالمية الثانية حاول فرحات عباس و أنصاره أن يستغلوا فرصة إنهيار الحكومة الفرنسية في باريس و يتفاوضوا مع حركة المقاومة الفرنسية في الجزائر بشأن الاعتراف بالحقوق السياسية للجزائريين مقابل التعاون مع فرنسا، و خاصة ان '' دارلان '' و '' جيرو '' قد طلبا من السكان المسلمين مساعدة فرنسا في التخلص من الاحتلال الالماني، ومقابل ذلك ستاخذ فرنسا مطالبهم السياسية بعين الاعتبار، فقد قام فرحات عباس في بداية 1943 بتحرير بيان وقعه مع 28 شخصية سياسية من زملائه المنتخبين، و أبدوا فيه استعدادهم للمشاركة في المعركة من اجل تحرير فرنسا و لكن بشرط ان تلتزم فرنسا بعدم السماح لاية تفرقة عنصرية بين الافراد، و اكدوا في البيان على ضرورة اعطاء الحقوق السياسية للجزائريين و منح حرية التعبير للجميع، كما طالبوا بعقد مؤتمر للمنتخبين و ممثلي جميع المنظمات الاسلامية وذلك بقصد اعداد قانون يتضمن جميع المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية([12]).
لكن '' جيرو ''ممثل حركة المقاومة الفرنسية في الجزائر اظهر معارضته و عدم مبالاته بهذا البيان حيث اجاب الوفد الجزائري الذي جاء لمقابلته بعد ذلك بانه منشغل بالحرب و ليس بالسياسية، و بالرغم من هذا الرد السلبي، فلم يستسلم فرحات عباس و 28 من زملائه المنتخبين حيث قاموا يوم 10 فيفري 1943 باصدار وثيقة جديدة اطلقوا عليها اسم '' بيان الشعب الجزائري ''، ثم اضافوا اليها مشروعهم للاصلاحات السياسية و الاقتصادية، و قاموا بتسليم الوثيقتين الى الجنرال ديغول يوم 10 جوان 1943، كما سلموا في نفس الوقت نسخا اخرى الى الجنرال '' كاترو '' الذي عين في سنة 1943 مسؤولا عن الجزائر، و تتلخص نقاط البيان في المطالبة بانشاء دولة جزائرية يكون لها دستورها الخاص بها، يتم اعداده من اعضاء في مجلس جزائري انتقالي منتخب من طرف جميع سكان الجزائر([13]).
و بعد رفض المشروع الذي تقدم به فرحات عباس الى السلطات الفرنسية في الجزائر، قرر هذا الاخير ان يقترب من مصالي الحاج زعيم حزب الشعب و الشيخ البشير الابراهيمي زعيم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و الحزب الشيــوعي الجزائري، و بدأ العمل من اجل التحالف معهم ضد الجـالية الاروبية في الجزائر([14]).




ثانيا: تأثير المؤتمر على  التيار الإصلاحي:
لقد فوجئت الإدارة الفرنسية حيث أدركت أن جمعية العلماء هي اشد خصومها خطرا  و أكثرها تأثيرا على الأوساط الشعبية، و ذلك لتقارب وجهات نظرها مع تيارات الحركة الوطنية، ومن هنا أصبحت الإدارة الفرنسية تسعى إلى محاربتها و إفشال مخططها الإصلاحي و إحباط مشاريعها الوطنية، حيث اتهمت جريدة الطان الباريسية الصادرة في 21 فيفري 1936 العلماء بمحاولة تهيج الرأي العام الجزائري، و ركزت في كلامها بان ابن باديس و العقبي هم رأسا العلماء قد جمع في نادي الترقي كل الذين يعملون على تحطيم النفوذ الفرنسي باستعمال الوسائل المختلفة بمثابرة و دقة([15]).
فابتداء من شهر جويلية 1936 بدأت جمعية العلماء تعاني من المشاكل التي نجمت عن تزعمها المؤتمر الإسلامي و تعاونها مع الأحزاب السياسية الأخرى، بقصد الحصول على التمثيل النيابي في البرلمان الفرنسي و الحرص على الشخصية العربية والدفاع عنها وتمسك الجزائر بها([16]).
إن سنة 1938 كـانت البداية لتقــلص النفوذ السيـاسي للجمعية و تعرضها لازمات داخـلية و مواجهات عديدة مع الإدارة الفرنسية، فمنذ بداية 1938 قررت فرنسا أن تمنع الأناشيد الوطنية، كما صدر مرسوم 13 جانفي 1938 يقضى بفرض رقابة مشددة على نوادي جمعية العلماء، و منعها من القيام بأي نشاط ثقافي أو سياسي إلا بعد الحصول على الموافقة من الإدارة الفرنسية، ثم جاء بعد ذلك مرسوم 8 مارس 1938 يقضي بعدم السماح لأي معلم بفتح مدرسة في الجزائر إلا بعد الحصول على إذن من الإدارة الفرنسية، و قد اعتبر ابن باديس هذا اليوم الذي صدر فيه هذا المرسوم بأنه اكبر يوم مشؤوم في تاريخ الإسلام بالجزائر([17]).
كذلك في ربيع 1938 اصدر الوالي العام في الجزائر منشور إلى رؤساء الأقاليم الجنوبية يقضي بإلقاء القبض و سجن كل طالب ينتسب إلى جمعية العلماء يقوم بالدعاية لصالح الجمعية([18]).
و في نفس السنة أمر حاكم قالمة بمحاربة القائمين بالتعليم في كل مدارس هذه المدينة، و لقد استعملت الإدارة الاستعمارية وسائل عدة في محاربتها للجمعية و أعضائها([19])، الذين الحو على ضرورة الحفاظ على عروبة الجزائر وإسلامها([20])، و من هذه الوسائل أما قوانين صادرة عن مجلس الأمة في فرنسا في ظروف مختلفة و الأسباب متعددة و إما قرارات إدارية فردية مصدرها الحكام العامين في الجزائر، و مرد هذه القرارات اعزات بوليسية توجيها اليد الاستعمارية([21]).
كما صدر مرسوم أوت 1939 الذي يقضي بمصادرة جميع الجرائد التي تتعرض على قضايا الأمن الوطني، وبذلك أصيبت صحافة العلماء  بالشلل التام و تم تجميد نشاطها السياسي عن طريق فرض هذه القيود على مناضليها([22]).
و عقب صدور هذا القرار عقدت بنادي الترقي اجتماعات ضمت ابرز قادة الجمعية، حيث درسوا الإجراءات التي يمكن اتخاذها لإجراءات 8 مارس، و ووالت البصائر لسان حال الكتابة لهذه الجمعية، و لما انتهت المسالة إلى النيابة المالية ( و هي أعلى نيابة في الوطن ) بواسطة النواب المسلمين قدمت لهم الحكومة وعودا بحلها و لكن دون جدوى، لان الإدارة الفرنسية في الجزائر حاولت اقتلاع جذور الثقافة العربية و القضاء على الشخصية الوطنية، بالرغم من أن السلطة المستعمرة قد عطلت الكثير من المدارس التابعة للجمعية([23]).
إضافة إلى سجن و فرض غرامات مالية على معلمي الثقافة العربية و محاكمتهم كمجرمين، و نفت بعض من زعمائها الشيخ البشير الإبراهيمي نائب رئيسيا لابن باديس، و الرئيس الثاني للجمعية حكم عليه بالنفي إلى آفلو بسبب امتناعه عن التحدث إلى الشعب في الإذاعة الجزائرية، بهدف حث الجزائريين على الوقوف بإخلاص إلى جانب فرنسا في حربها ضد دول المحور، لم يسمح له بالدخول إلى الجزائر إلا بعد دخول الحلفاء شمال إفريقيا سنة 1943.
كما ظل الشيخ ابن باديس موقفا عن النشاط في قسنطينة بعد قيام الحرب العالمية حتى وفاته في 16 أفريل 1940، و سجن الأمين العمودي و فرحات الدارجي و هما شخصيتان بارزتان يوم 16 نوفمبر 1939 بسبب الدعاية في أوساط الجزائر بإلقاء المحاضرات في نادي الترقي، واهم حدث سجل في شهر نوفمبر 1939 في جمعية العلماء هو إيقاف جريدة البصائر و مجلة الشهاب عن الصدور، وهما القطبان الرئيسيان في دعوة الجمعية خلال الثلاثينيات مما احدث فراغا سياسيا و ثقافيا كبيرا في أوساط قرائها، هذا علاوة على أن إدارة الاحتلال قد شددت الرقابة على كل المطبوعات، و صادرت خلال شهر نوفمبر 4 ألاف منشورا كانت تحمل تهاني ابن باديس لقراء صحف الجمعية بمناسبة عيد الفطر([24]).
لقد تعرضت الجمعية خلال الثلاثينيات إلى أزمة داخلية كانت لها علاقة وثيقة بشخصية  الشيخ الطيب العقبي، الذي كان الشخصية الثانية بعد عبد الحميد بن باديس في جمعية العلماء قبل انسحابه من عضويتها، حيث قان الشيخ العقبي بإرسال برقية للحكومة الفرنسية سنة 1938 حدد فيها بوضوح موقفه من زملائه الآخرين، و انتهى به الخلاف مع ابن باديس إلى تقديم استقالته و الانسحاب نهائيا من الجمعية، ثم قام بتأسيس جمعية دينية باسم '' الإصلاح الإسلامي ''، وجعل لسان حالها جريدته القديمة  '' الإصلاح '' وأضحى مواليا للإدارة الفرنسية و هو الولاء الذي لم يحد عنه فيما بعد([25]).

وجد العلماء أنفسهم من خلال جمعيـتهم منخرطين و مشتركين في إصلاح تـاريخي و اجتماعي و سياسي حاسم ضد الإدارة المدنية و القانونية للاحتلال، ورغم الصعوبات الشديدة التي كانت تواجه رواد جمعية العلماء، إلا أنهم استطاعوا أن يتجاوزوا كل تلك العراقيل و يؤسسوا نهضة وطنية دينية و ثقافية إلى جانب الإصلاح الاجتماعي، حيث أسست جمعية العلماء ما يزيد عن 130 فرع لها سنة 1937، لكن النجاح الكبير النجاح الكبير للجمعية كان في بناء المدارس و المعاهد الثقافية و المراكز([26]).
تمكنت جمعية العلماء من نشر أفكارها التحررية في جميع أنحاء الجزائر وتبـــليغ الرسالة السياسية و الثقافية و الإعلامية إلى جميع السكان المسلمين بالجزائر وبالخارج، و بالرغم من توقف جريدة البصائر عن الصدور غداة قيام الحرب العالمية الثانية فإنها قد استأنفت صدورها عام 1947، ولم تتوقف عن الصدور إلا بعد قيام حرب التحرير في أول نوفمبر 1954، و انضمام الجمعية إلى جبهة التحرير سنة 1956.








ثالثا: تأثيراته على نشاط التيار الاستقلالي:
بعد تولي الجبهة الشعبية  للسلطة في فرنسا سنة 1936، و إصدار العفو العام عاد مصالي الحاج من منفاه إلى فرنسا، و تقدم على حكومتها بمطـالب تضمنت تشكيل برلمان جزائري منتخب، و اثر انعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري أعلن النجم عن دعمه للمطالب التي تخدم المصـلحة العـامة للجماهير، و رفضه لمطالب الأقلية في إشارة واضحة للإدماج و التجنيس، وعندما فشل مصالي الحاج في إقناع وفد المؤتمر الإسلامي بالتخلي عن فكرة تمثيل الجزائريين في البرلمان الفرنسي وفي التجنيس، قرر الحزب بزعامته نقل نشاطه لأول مرة للجزائر([27]).
بعد الانتقادات التي وجهها النجم إلى مؤسسي المؤتمر الإسلامي، قررت الحكومة الفرنسية اتخاذ إجراءات للقضاء على النجم و إنهاء وجوده القانوني، و كانت الإشاعة في أواخر عام 1936 تحدثت عن تطبيق الحكومة القانون الصادر في 10 جانفي 1936 بحق النجم، ويعطي هذا القانون رئيس الجمهورية وحده حق إعلان حل المنظمات التي تهدد وحدة البلاد و ذلك بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء.
·       حل نجم شمال إفريقيا
تمثل رد فعل النجم في توجيه اتهامات إلى المنتخبين الجزائريين أمثال بن جلول و إلى الصحافة اليمينية على حد السواء، و ذلك لمواقف هؤلاء المعادية للنجم و تحريضهم السلطة عليه، أما الاتهام الرئيسي فقد وجهه إلى الحزب الشيوعي الفرنسي الذي اتهم بأنه يرغب في القضاء على النجم، و اعتقد النجمييون أن الشيوعيون أوعزوا إلى حكومة الجبهة الشعبية التي تحظى بتأييدهم باتخاذ قرار الحل، و كان اعتقاد الشيوعيين مبنيا على الحملة الصحافية الشيوعية ضدهم، و الاتهامات التي وجهت إليهم بأنهم يتخذون نفس الموقف الذي اتخذه الفاشيون و كبار الكولون في الجزائر ضد مشروع فيوليت([28]).
فبعدما حل النجم بمقتضى مرسوم 26 جانفي 1937 اعتقد مصالي الحاج أن من وراء هذه العملية يد شيوعية خبيثة فقال: '' اتهمونا بأننا نتعاون مع فرونكو و موسوليني و بأكاذيب أخرى كان الحزب الشيوعي الفرنسي دائما يستعملها كسلاح للتخلص من الرجال الذين يقفون في وجهه.... و اخذ علينا الحـــــزب الشيوعي أيضا تعــــاوننا مع شكيب ارسلان و علاقتنا بالعالم العربي، و أخيرا مع شكيب ارسلان و علاقاتنا بالعالم العربي، و أخيرا موقفنا من مشروع فيوليت هذا الموقف الذي ضايقه كثيرا ''([29]).
بعد أن حل النجم لم يؤثر في الواقع على نشاطه السياسي و استمر يعمل بقوة تحت أسماء أخرى فـــإلى غاية تأسيس حزب الشعب الجزائري الذي صبغ الحركة الوطنية بصبغة ثورية أسست جمعية أحباب الأمة التي كانت تنشط في السرية([30]).
كما صرح '' راوول اوبو'' في شرحه لأسباب حل النجم أمام مجلس الشيوخ الفرنسي '' بان الحل اتخذ في الوقت الذي وجهت فيه الانتقادات للنجم من الأهالي  الجزائريين ومن الحزب الشيوعي'' كما عدد بدوافع الحل بقوله '' نشاط انفصامي، نفوذ أجنبي، محاولات من الخارج للتقسيم''([31]).
بتحول نجم شمال إفريقيا إلى حزب الشعب الجزائري أي أصبح حركة جزائرية محضة بعد أن كان في الأول حركة شمال افريقية عامة.



·       حزب الشعب الجزائري:
وبعد حل النجم عوض بتأسيس حزب الشعب الجزائري في مارس 1937 بتأطير في اجتماع عام تحت رئاسة مصالي الحاج، إن مبادئ النجم و فلسفته بقيت هي السائدة عند المناضلين فلم يحدث أي تغيير في الخطة، بل تغير الاسم فقط فكانت العبارات السائدة عند الشعب هي الوطنية و الوطنيون، و في هذه المرحلة أصبحت الأوضاع الجديدة  تقتضي تقييم جديدا و خطة تتناسب مع تلك الأوضاع و المعطيات السياسية العالمية التي تتغير حسب الظروف و الأحوال و الأحداث([32]).
و بعدما كانت حركة النجم تشمل الأقطار الثلاثة رغم أن أعضاءها في أغلبيتهم جزائريين، أما الآن فقد تأسس حزب وطني جزائري ليقوم بالمهمة التي تنتظره المتمثلة في التنظيم و التوعية وبث روح التضحية و الكفاح في أفراد الشعب الجزائري([33]).
و الجديد في الحزب هو دخوله معترك الانتخابات للمجالس المحلية في شهر جوان 1937، و لكن الحزب قد فشل في الحصول على الأصوات اللازمة في الانتخابات البلدية لمدينة الجزائر، و لكنه من جهة أخرى حصل على نجاح كبير لأنه أصبح معروفا في الأوساط الجزائرية، و رغم اعتقال زعماء الحزب في 27 أوت 1937 قرروا الترشح لانتخابات المجالس العمالية التي تجري في أكتوبر 1937، ورغم الدعم الكبير بقيادة الحزب و خصوصا مصالي الحاج ممثل الحزب في الجزائر العاصمة إلا أن الإدارة الفرنسية سارعت إلى تزوير الانتخابات و جعلتها لصالح محي الدين زروق([34]).


في 04 نوفمبر 1937 تم توقيف القياديين لحزب الشعب الجزائري و وضعهم في السجن، و يتعلق الأمر بكل من مصالي الحاج و خليفة بن عمر  لحول عزافة و مفدي زكريا، حكم عليهم بالسجن لمدة سنتين إلى أن تم إطلاق سراحهم في أوت 1939 بدعوى إحياء منظمة حلها القانون هي منظمة '' نجم شمال إفريقيا ''([35]).
و ذاق مصالي الحاج عذاب السجن و التعذيب مرارا، و كان كل مرة يخرج فيها من سجنه يعود إلى دعوته و قيادة حزبه بصفة اشد، و بعد إطلاق سراحه في 27 أوت 1939 حل حزب الشعب، فلجأ قادته إلى العمل السري الذي كان له أثره الايجابي بحيث أصبح نشاطه أكثر شعبية وفعالية، ولجأت الإدارة الفرنسية عشية الحرب العالمية الثانية إلى وقف سحب جريدة '' الأمة '' و '' البرلمان الجزائري ''([36]).
كانت سنة 1939 سنة سوداء مليئة بالانتكاسات و الإخفاقات لقيادة حزب الشعب الجزائري، فهي السنة التي توفى فيها احد مقربي مصـالي الحاج ارزقي كحيل، و هي السـنة التي تم فيها إلــقاء القبض على مجموعة من المنـاضلين المعروفين في الحـزب و على رأسهم محمد خيضر، جاء بعد ذلك مــرسوم 26 سبتمبر 1939 الذي نص على حل حـزب الشعب الجـزائري بتهمة التواطؤ مع السلطات النازية، ثم تبعتها حملة اعتقالات واسعة بداية من 04 أكتوبر 1939 شمـلت شخصيات كبيرة في هذا الحزب.
القي القبض مرة ثانية على مصالي الحاج و حكم عليه يوم 28 مارس 1941 بالسجن مع الأعمال الشاقة لمدة 16 سنة، هذا الأمر جعل حزب الشعب يختفي عن الساحة السياسية طيلة الحرب العالمية الثانية، و لكنه ظل ينشط في سرية وخفاء فقادته في السجون و تحت الإقامة الجبرية، ولم يكن بإمكان مصالي الحاج إدارة الحزب مباشرة، و رغم ذلك تولى جماعة من الشباب أعباء النشاط الحزبي السري و من بينهم محمد لمين دباغين، الذي تولى إدارة الحزب منذ أكتوبر 1942([37]).
بدا التوجه السياسي لحزب الشعب الجزائري بداية الأربعينيات لا سيما عام 1943، ليتحول إلى حزب ينادي بضرورة إحداث التغيير الجذري بواسطة القوة، وجد في الجمعية أحباب البيان و الحرية التي ظهرت في 1944 إطارا لنشر أفكاره السياسية([38]).
تمكن حزب الشعب من فرض تنظيمه الجديد الذي صادق على لائحة تدعو إلى ضرورة تزويد الجزائر بمجلس و حكومة جزائريين، و ذلك في أول مؤتمر له في شهر مارس 1945 و الاعتراف بـمصالي كزعيم للشعب الجزائري بدون منازع([39]).
يوم 08 ماي 1945 هو يوم النصر على النازية في أوروبا، و هو يوم كذلك لاحتفال في الجزائر من اجل المطالبة بالحقوق المهضومة، و دعم مطالب جمعية أحباب البيان و الحرية، التي قرر قادتها تنظيم مظاهرات سلمية دون اللجوء إلى استعمال العنف و القوة، رفعت خلالها شعارات مختلفة مثل: '' تحيا الجزائر دولة مستقلة '' و '' أطلقوا سراح مصالي الحاج ''، و غيرها من الشعارات، و استمر أعضاء حزب الشعب الجزائري في النضال السياسي في سرية أثناء الحرب العــــالمية الثانية، مستغلين في ذلك فرصة دخول الألمان إلى فرنسا([40]).
بادر حزب الشعب الجزائري في 08 ماي 1945، و من وراءه كل الشعب الجزائري إلى الخروج إلى الشوارع و المطالبة بالاستقلال و الحرية لكنه قوبل بالقمع و القتل، وكانت الحصيلة ثقيلة 45 ألف شهيدا، هذه الحوادث بينت للشعب الجزائري جرائم الاحتلال الفرنسي وسياسيته القمعية([41]).
و في أكتوبر 1946 ببوزريعة بالعاصمة، انشأ مع مجموعة من المناضلين حركة انتصار الحريات الديمقراطية M.T.L.D ، و التي هي امتداد لحزب الشعب، و يبدو ذلك في تمسكها بالمطالب السابقة و التقدم للانتخابات، لكنها أقرت ضرورة تغيير أسلوب العمل و بالتالي استعمال كل أشكال الكفاح باستثناء السلاح، على أن لا يقتصر على الجزائر فقط بل يجب أن يمتد حتى داخل فرنسا مع التركيز على الدعاية ضد الاستعمار وسياسية الاستيطان، و تكثيف نشاطها في الأوساط الشعبية قصد توعية اكبر عدد ممكن من المواطنين لفرض نفسها كقوة قادرة لوحدها على قيادة الشعب([42]).
و في سبيل ذلك اعتمدت تنظيما محـكما جامدا، مركـزيا كان له اثر على حسن سير و توسيع قاعدتها، و اعتبارها المعبر عن مطامع و آمال الشعــوب، إلا أن ذلك تسبب في تـركيز السـلطة في يد مصالي الحـاج، هذا التركيز في السلطة لقى معارضة من قبل بعض مناضلي الحركة من أنصار القيادة الجماعية، الذي أطلق عليهم فيما بعد تسمية المركزيين، تمييزا لهم عن المصاليين، مؤيدي تركيز السلطة في يد زعيم المعركة، و بجانب الاتجاهين ظهر اتجـــــاه ثالث يجد قاعدته التنظيمية في المنظمة السرية مجسدة في بعض إطاراتها أمثال: بن بلة، محمد بوضياف، الحسين ايت حمد، محمد بوعرصوف، و هو الاتجاه الذي اختار العمل العسكري الثوري، و انشأ اللجنة الثـورية للوحدة و العمل C.R.U.T، و التقى إطارات المنظمة السرية([43]).





[1] . ناهد إبراهيم دسوقي، المرجع السابق، ص: 226
[2] . مرجع نفسه، ص: 228
[3] . مرجع نفسه، ص: 229
[4] . بشير ملاح، المصدر السابق، ص: 385
[5] . المصدر نفسه، ص: 385
[6] . ناهد إبراهيم دسوقي، مرجع سابق، ص: 228
[7] . المرجع نفسه، ص: 229
[8] . المرجع نفسه، ص: 229
[9] . عمار بوحوش، مرجع سابق، ص: 235
[10] . ناهد ابراهيم دسوقي، مرجع سابق، ص: 229
[11] . المرجع نفسه، ص : 230
[12] . عمار بوحوش، مرجع سابق، ص: 236
[13] . المرجع نفسه، ص: 236
[14] . المرجع نفسه، ص: 237
[15] . عمار بوحوش، المرجع السابق، ص: 261
[16] . جنيدي خليفة، مصدر سابق، ص: 184
[17] . عمار بوحوش، مرجع سابق، ص: 263
[18] . عبد النور خيثر، منطلقات و أسس الحركة الوطنية، منشورات المؤسسة الوطنية، المطبعة الرسمية، ص: 292
[19] . عبد الكريم بو صفصاف، المصدر السابق، ص: 209
[20] . يحي بو عزيز، سياسية التصلط الاستعماري و الحركة الوطنية 1830-1954، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2007، ص: 100
[21] . عبد الكريم بو صفصاف، المصدر السابق، ص: 210
[22]. Charles Robert Ageron, opcit, P :347
[23] . عبد الكريم بو صفصاف، المصدر السابق، ص: 212
[24] . مصدر نفسه، ص: 213
[25] . على دبوز، نهضة الجزائر الحديثة و ثورتها المباركة، ج 2، ص: 122
[26] . احمد صاري، المرجع السابق، ص: 118
[27] . عبد النور خيثر، المرجع السابق، ص: 255
[28] . مؤمن العمري، المرجع السابق، ص: 39
[29] . عمار بوحوش، المرجع السابق، ص: 300
[30]. Slimane Cheich, L’Algerie en arme ou le temp des certitudes, alger, OPU, 1981, PP :58 59
[31] . عمار بوحوش، المرجع السابق، ص: 301
[32] . مصطفى الهشماوي، جذور نوفمبر 1954 في الجزائر، دار هومة، الجزائر، 2010، ص: 49
[33] . ادريس خضير، البحث في تاريخ الجزائر الحديث، ج 1، دار الغرب للنشر و التوزيع، ص: 356
[34]. Gilbert Meynier, Histoire interieure du FLN 1954-1962,Caslah Edition, Alger, 2003, p : 59
[35]. Charles Robert Ageron, op cit, P : 585
[36]. Gilbert Meynier, op cit, P : 54
[37] . احمد توفيق المدني، حياة كفاح، ج 2، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1995، ص: 137
[38] . يحي بو عزيز، الاتجاه اليميني في الحركة الوطنية 1912-1948، ديوان المطبوعات، ص: 97
[39] . محمد العربي الزبيري، الثورة في عامها الاول، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984، ص: 73
[40] . مؤمن العمري، المرجع السابق، ص: 64
[41] . المرجع نفسه، ص: 65
[42] . مصطفى الهشماوي، المصدر السابق، ص: 51
[43] . سعيد بو شعير، النظام السياسي الجزائري، ط 2، دار الهدى، الجزائر، 1993، ص ص: 18 19
خــــــاتمة
و خلاصة القول أن سنة 1936 شهدت اكبر حدث تاريخي في سجل الحركة الوطنية، متمثلا في انعقاد المؤتمر الإسلامي الجزائري، الذي حضرته كل التيارات السياسية و الدينية و الاجتماعية، و لعل وصول الجبهة الشعبية إلى السلطة قد زاد من طمـوح الجزائريين، فقد عبرت هذه التيـارات على مطالبها في تجمع شعبي احتضنته قاعة الماجسيتيك في 7 جوان 1936، و خلصت إلى تشكيل وفد المـؤتمر و أرسل ممثليها لتفاوض مع حكومة باريس حول المطالب الوطنية، و في الأخير نستخلص أن المؤتمر كان تجربة لها نتائجها السلبية و الايجابية على صعيد الحركة الوطنية.
v             النتائج السلبية :
ü      خيب المؤتمر أمال الاندماجيين، حيث أن أغلبية المنتخبين و العلماء قد خابت أمالهم أمام رفض الجبهة الشعبية للمطالب التي تقدم بها الوفد.
ü      إحساس العلماء بخيبة الأمل الذي وضعوه في حكومة الجبهة الشعبية من خلال رفضها للمطالب الداعية إلى إدماج الشعب الجزائري ليتمكن من خلال ذلك من تحقيق المساواة

v             النتائج الايجابية:
ü      اقتنعت فئات الشعب بما فيها الطبقة السياسية بان الوعود التي تدعيها فرنسا لتحقيق حلم الشعب لم تتحقق رغم وسائل الدعية والتشهير بانجازات فرنسا و طموحها في تحقيق العدالة في المجتمع الجزائري.
ü      أدى الوفد مطالب مؤتمر الأمة الجزائرية المسلمة بصدق و أمانة و شرف.
ü      عرفت فرنسا حكومتها و أحزابها و صحافتها أن وراء البحر امة جزائرية إسلامية تطالب فرنسا بحقوقها و تحافظ تمام المحافظة على شخصيتها و مقوماتها، وهذان الأمران لهما قيمتهما في حياة الجزائر و بناء مستقبلها.


و بهذا كان المؤتمر الإسلامي الجزائري اللبنة الأساسية الأولى لتوحيد الحركة الوطنية الجزائرية من حيث مطالبها و مواقفها من سياسية الإدارة الفرنسية، و مهما قيل بشأنه فانه سجل محطة هامة في النضال الوطني من جهة، و معرفة نوايا الإدارة الفرنسية من جهة أخرى، و أفضل ما نعلق به على هذا المؤتمر هو ما جاء على لسان الشيخ عبد الحميد بن باديس '' ... انه أعظم حادث وقع في الجزائر الإسلامية في تاريخها الحديث، و بهذا الاعتقاد ابذلوا من اجل حمايتهم و الدفاع عنه كل ما أوتيت من جهد و قوة...''





ليست هناك تعليقات