مؤتمر الاسلامي الجزائري 1936


#_المــــــــــؤتمر_الإســــــــــــــــــلامي 1936م
بين ابــن بــاديس وخصومه (الجزء الأول)
=======
بقلم/ عماد بن عبد السلام
===============
#_بجريدة_المستقبل_المغاربي  الاثنين 07 اوت 2017 الموافق ل15 ذو القعدة 1438 صفحة 14
===============================
اطلعت على كلمة لبعض الأفاضل حول الحدث التاريخي الهام من تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية في ثلاثينيات القرن الماضي فأداهم اجتهادهم الى تأيد قول المفكر الكبير الأستاذ مالك بن نبي والزعيم مصالي الحاج-رحمهما الله- فيما وقفا فيه ضد مشاركة ابن باديس وجمعية العلماء المسلميين الجزائريين في المؤتمر الإسلامي سنة 1936م ومما أحسبه أنهم 
-
وفقهم الله- قد حازوا على أجر واحد في هذه القضية.
أحاول بدوريي وأجيب عمَّا طرحوه من إيرادات في هذه القضية التي طالما اتخذها أقوام وأقوام للطعن في ابن باديس ونسبته الى الفكر الإدماجي متخذين في ذلك قول الأستاذ والزعيم بزعمهم- حجة للطعن والتهكم بل والتقزيم من ابن باديس وإخوانه العلماء أو لجمعية العلماء كمؤسسة.
وقبل الجواب على ما ذكروهوفقهم الله- أحببت أن أُعرج بلمحة حول المؤتمر الإسلامي الذي إنعقد في 07 ربيع الأول 1355ه الموافق لـ: 07 جوان 1936م بقاعة سينما الماجستيك (الأطلس حاليا) بحي باب الواد الجزائر العاصمة بدعوة من الشيخ ابن باديس (رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) والدكتور ابن جلول النائب بـ (فيدرالية المنتخبين المسلمين الجزائريين).
حضر هذا المؤتمر (الإسلامي) كل الأطياف والشخصيات السياسية حتى الشيوعين ماعد حزب نجم شمال إفريقيا برئاسة مصالي الحاج رحمه الله
واتت انعقاد المؤتمر الإسلامي ظروفا داخلية وأخرى خارجية. فالظروف الخارجية تتمثل في: انعقاد عدة مؤتمرات إسلامية كمؤتمر الخلافة بالقاهرة، ومؤتمر مسلمي أروبا بجنيف، والمؤتمر الإسلامي بالقدس الذي شارك فيه الشيخ إبراهيم طفيش الجزائري، كما الإنتشار أفكار أمير البيان شكيب أرسلان وتأثيرها في النخب الإسلامية بخاصة والتي كان يدعوا من خلالها للإهتمام بشؤون الأمة الإسلامية والدفاع عنها
أما الظروف الداخلية أهمها: بروز نجم شمال افريقيا سنة 1926م بزعامة مصالي الحاج، تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين برئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، بروز فيدرالية المنتخبين المسلمين الجزائريين من خلال نجاحها في الانتخابات البلدية سنة 1934م الدكتور محمد الصالح بن جلول، تأسيس الحزب الشيوعي الجزائري سنة 1936م أبرزهم عمار أوزقان، وصول الجبهة الشعبية الى سدة الحكم في فرنسا وطرح مشروع بلوم-فيوليت الذي يدعوا لدمج النخبة الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية والمقدرة بحوالي 33 ألف شخص. -وللعلم أن ابن باديس وإخوانه في الجمعية قد عارضوا هذا المشروع أشد المعارضة-.
بعد اجتماع المؤتمرون خرجوا بصحيفة متكونة من ستة مطالب وهي كالآتي:
1/ إلغاء سائر القوانين الاستثنائية التي لا تنطبق إلا على المسلمين ؛
2/
إلحاق الجزائر بفرنسا رأسا، وإلغاء الولاية العامة الجزائرية، ومجلس النيابات المالية، ونظام البلديات المختلطة ؛
3/
المحافظة على الشخصية الإسلامية، مع اصلاح هيأة المحاكم وإدخال الاحكام الشرعية بصفة حقيقية لروح القانون الإسلامي، وتحرير هذا القانون ؛
- فصل الدين عن الدولة بصفة تامة، وتنفيذ هذا القانون حسب مفهومه ومنطوقه.
-
إرجاع سائر المعاهد الدينية الى الجماعة الإسلامية لتتصرف فيها بواسطة جمعيات دينية ومؤسسة تأسيسا صحيحا.
-
إرجاع أموال الأوقاف لجماعة المسلمين ليمكن بواسطتها القيام بأمور المساجد والمعاهد الدينية والذين يقومون بها.
-
إلغاء كل ما اتخذ ضد اللغة العربية من وسائل استثنائية، وإلغاء اعتبارها لغة أجنبية.
- الحرية التامة في تعليم اللغة العربية، وحرية القول للصحافة العربية.
4/
الإصلاحات الاجتماعية
-
التعليم الإجباري للبنين وبنات
-
الشروع بسرعة في بناء المدارس الكافية لتعميم التعليم الإجباري.
-
جعل التعليم مشتركا بين المسلمين والأروبيين.
-
الزيادة في معاهد الصحة من المستشفيات ومستوصفات، وفي معاهد الإغاثة: كالمطاعم الشعبية، إنشاء خزينة خاصة للعاملين من العمال.
5/
الإصلاحات الإقتصادية: تساوي الأجر إذا تساوى العمل تساوي الرتبة إذا تساوت الكفاءة، توزيع إعانات الميزانية الجزائرية للفلاحة والصناعة والتجارة والإحتراف على الجميع وعلى مقتضى الإحتياج دون تمييز بين الأجناس.
- تكوين جمعيات تعاونية فلاحية، ومراكز لتعليم الفلاحين.
-
الإقلاع عن انتزاع ملكية الأرض.
-
توزيع الأراضي الشايعة البور على صغار الفلاحين والعمال.
-
إلغاء قانون الغاب.
6/
مطالب سياسية
-
إعلان العفو السياسي العمومي.
-
توحيد هيأة الناخبين في سائر الإنتخابات.
-
إعطاء الحق لكل ناخب في ترشيح نفسه.
-
النيابة في مجلس الأمة.
وبعد هذا العرض الموجز أشرع في الإجابة على إيرادات المعترضين بمايلي:
1/
أن رمي ابن باديس بالإدماج من خلال التعلق بالمطلب الثاني من مطالب المؤتمر المتمثل إلحاق الجزائر رأسا بفرنسا يقصد به ابن باديس الإلحاق الإداري فقط- بالسلطة الفرنسية العليا المتحكمة في زمام الأمور بهدف خلع الواسطة التي بينهم وبينها المتمثلة في الولاية العامة بالجزائر. لأن عادة الوسائط التزييف والتحريف والغش. والذي يدل على صحة ما ذهبتُ اليه بل ما يدل على قوته وبعد ابن باديس عن الإدماج هو المطلب الثالث من مطالب المؤتمر الذي يؤكد فيه على ضرورة المحافظة على الشخصية الإسلامية من لغة ودين، وإدخال الأحكام الإسلامية في القضاء، وأن ترفع فرنسا يدها عن المساجد والمعاهد والجمعيات الدينية وتترك أمر تسييرها الى المسلمين، إلغاء كل قانون يعتبر اللغة العربية لغة أجنبية مع ضرورة تعميمها في الوثائق الإدارية مع إعطاء الحرية التامة في تعليمها وحرية الصحافة المعربة ... علما أن هذه المطالب قبل المؤتمر الاسلامي كانت من الممنوعات أو ضربا من الخيال. ولهذا قال ابن باديس في مقابلته لبروجي فيوليط: ((أننا عرب مائة في المائة ومسلمون مائة في المائة لا نتنازل عن شئ من ذلك، ونحن مع فرنسا كأخ مع أخيه لا كسيد مع عبده)). آثاره 3/335 ولم يقل له أننا مواطنون فرنسيون، أو نريد أن تُدمجونا مع الشعب الفرنسي، فلتنتبه لهذا.
وقبل هذا؛ ألم يقل ابن باديس في رده على صاحب مقولة أنا فرنسا في أفريل 1936م: ((إن هذه الأمة الجزائرية ليست فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت. بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها وفي أخلاقها وفي عنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج. ولها وطن محدود ومعين وهو الوطن الجزائري بحدوده الحالية المعروفة)). أنظر آثاره 3/291 فأنَّى يكون ابن باديس ادماجيا.
2/ من خلال هذا المؤتمر دخل الشيخ ابن باديس مرحلة جديدة من النضال ويتبين ذلك جليا لمن تأمل في تغيره لشعار جريدة الشهاب من ((الحق، العدل ، المؤخاة ، في إعطاء جميع الحقوق للذين قاموا بجميع الواجبات)) الى ((لنعتمد على انفسنا ولنتكل على الله)). 
3/
قال الشيخ ابن باديس لعموم الشعب الجزائري بعد عودته الى الجزائر بعدما نبه الحكومة الفرنسية في أن العدول عن مطالب الهوية مسلك غير مقبول وعبر عنها بقوله: ((واعلم [لأيها الشعب الجزائري] أن عملك هذا على جلالته ما هو إلا خطوة ووثبة ووراءه خطوات ووثبات. وبعدها إما حياة أو ممات)). آثاره 3/313
4/
ويؤكد هذا خطاب الشيخ الابراهيمي للوفد بعد عودته من المؤتمر الباريسي بقوله :
))أيها الاخون: إن دينكم الحنيف يأبى لكم إلا أن تكونوا مسلمين بكل ما في الإسلام من معنى وإن تاريخكم الزاهر يأبى لكم إلا أن تكونوا عربا ولغتكم عربية بكل ما في العرب والعربية من معنى ... أعيذكم بالله والدين أن تحيدوا عن هذين الوصفين)) آثار 1/260
5/
إنتقاد جمعية العلماء على المشاركتها في مؤتمر بقيادة ابن جلول أظنه اجتهاد أصاب فيه القوم أجر واحد وذلك من وجوه:
=
الجمعية شاركت باسمها ودافعت عن رؤيتها المتمثلة في (الجزائر وطننا والإسلام ديننا والعربية وطننا) كما في نص المطالب التي قدمتها لمكتب المؤتمر الإسلامي كما أنها ولم تدافع عن ابن جلول أو فكر ابن جلول ؛
= فرصة ملحة وجيدة حسب ابن باديس وجمعية العلماء لإيصال صوت الشعب لأصحاب القرار في فرنسا، من أجل الحصول على مصالح أولية في نشر الهوية الجزائرية كما مر سابقا في بنود المؤتمر- وأن يكون بواسطتهم هم لا بواسطة الحاكم العام بالجزائر، لأنهم يمثلون شريحة كبيرة من الشعب بل لثقة غالبية الجزائريين فيهم ؛
= محاولة من الجمعية قطع الواسطة بينها وبينا أصحاب القرار في فرنسا تفاديا للأكاذيب والتقارير المغلوطة التي تصلهم، لهذا جاوب ابن باديس فيوليط حول ترجمة مقالاته بقوله: ((أنا لا أثق في المترجمين في الإدارة لأنني جربت عليهم الخطأ والاقتصار على ما لا يفهم المراد بل يفهم خلافه، لأن الكلام يبين بعضه بعضا)). آثاره3/335 ؛


= المؤتمر اسمه (المؤتمر الإسلامي) وليس المؤتمر الإدماجي والإسلام لا يندمج في الكفر أو يتَّحد معه ؛
هذه النقاط محمودة يقتضيها الزمان والمكان في ارجاع الشعب الى هويته أولا ثم عملية الجهاد كمرحلة ثانية، وهي الخطة التي عمل عليها ابن باديس منذ رجوعه من المدينة بعد لقائه بالإبراهيمي سنة 1913م ؛



ليست هناك تعليقات